هأنا أكتب بقلم أبي قصة جدي. لقد مات العجوز وهو يصلي وجرفه النهر.. وأكل بقايا لحمه الطير وعثروا على بعض من ثيابه على ضفة الوادي.. كان آخر من رآه بعد صلاة العصر رجلان قرويان من قرية «الحقو».. شاهداه ساجدا على ربوة قرب الوادي.. لكنهما لم يتبينا وجهه، وكان حماره يسرح قريبا منه.. يأكل العشب وقد عاد الحمار إلى القرية والعجوز لم يعد. حكاية غريبة حدثت قبل خمسين عاما وقد ذابت بعض التفاصيل وتلاشت في النهاية ولم يعد بامكان أحد أن يروي تفاصيل أخرى ولا أحد يعرف الطريقة التي مات بها العجوز.. وقد اجتهدت في العثور على بعض الدلائل.. لكن السيل والماء الناضب لا يحكيان .. كان كل شيء قد اختفى حتى لحم الشيخ وعظامه ولم يتبق إلا جزء من مئزره (المصنف) هذه ليست اسطورة وليست بعض حكايات الاطفال المرعبة. إنها قصة حقيقية بالفعل اسم صاحبها جابر بن شوعان من مدينة الحقو في الجنوب وحدثت قبل سنوات طويلة ربما قبل خمسين عاما أو أقل قليلا أو أكثر قليلا.. التاريخ الدقيق لهذه الحادثة في سجلات الشرطة في مدينة جازان لقد فقد جابر بن شوعان مابين قرية بيش والحقو ولا احد يعرف هل أكلته السباع أو جرفه السيل أو مات ساجدا بين يدي الله وهو يصلي.. لكنهم على اية حال لم يعثروا إلا على جزء من ثيابه. أقاربه وأهله يعرفون انه كان يردد شعرا قرويا يقول فيه: إنه عندما يموت سيأكل لحمه الطير ولن يعثروا له على أثر وان الرياح ستحمله إلى مأمن بعيدا عن وحوش الأرض.. ولم يتبين أحد حكمة تلك الكلمات إلا بعد أن مات أقاربه وأهله يعرفون انه كان يردد شعرا قرويا يقول فيه : إنه عندما يموت سيأكل لحمه الطير ولن يعثروا له على أثر وان الرياح ستحمله إلى مأمن بعيدا عن وحوش الأرض.. ولم يتبين أحد حكمة تلك الكلمات إلا بعد أن مات.. وجابر بن شوعان ظلت حكايته هذه تؤرقني على مدى السنوات التي مضت ويبدو انه مات بطريقة تؤكد نفاد صبره بعد ان عاش طويلا.. لكن الذي لا تعرفونه ان هذا الرجل الشجاع كان يحملني على كتفيه طفلا ويصعد بي الجبل.. وكنت أطل من خلف رأسه على تلك المروج الخضراء في تهامة.. وكنت أشهد معه وأخي أحمد هدير السيل في موسم الأمطار.. جابر بن شوعان هو جد أخي الأكبر أحمد عبد الواحد لأمه وهو الرجل الذي مات ولم يعثروا على لحمه أو عظامه.. ولست بصدد البحث عن جدي وعن بقاياه بعد مرور خمسين عاما، لكني أتذكر بعض كلماته عندما كنت أعبث ببندقيته الصدئة القديمة كان ينهرني قائلا: أتركها انها أثقل منك وليست لك.. انت لم تخلق للبنادق وانما خلقت لهذا. ويضع قلم أبي الحبر بين يدي.. وقد جاء الزمن الذي أكتب فيه بقلم أبي قصة جدي الذي ضاع لحمه بين السماء والأرض.