بات السودان سودانين ، شمالياً وجنوبياً ، باعتراف رسمى ، أقرته الاممالمتحدة ، الذى حضر أمينها العام بان كى مون مراسم تدشين الدولة الوليدة ، التى أصبح لها علمها ، ونشيدها القومى ، لتصبح الدولة العضو رقم 193 الاحدث فى تاريخ البشرية . وجاءت ردود الأفعال الرسمية مرحبة بالاعلان الرسمى الذى يطلق عليه المؤيدون له « اعلان الاستقلال» كمقابل « لانفصال السودان « الذى يروج له المعارضون للاعلان ، وبحضور قادة أجانب بينهم 30 زعيما إفريقيا،قال كى مون لدى وصوله إلى مطار جوبا «شعب جنوب السودان حقق حلمه. الأممالمتحدة والمجتمع الدولي سيواصلان البقاء إلى جانب جنوب السودان». أما من جانب دول الجوار الافريقى مهنئة الجنوبيين، سواء كان من دول الجوار الجنوبى مثل كينيا وأثيوبيا وغيرها ، ومن مؤسسات اقليمية كالاتحاد الافريقى ، وجامعة الدول العربية ، أو شمالا من مصر التى كان لها دور فى متابعة وتنفيذ اتفاق نيفاشا للسلام المبرم قبل أكثر من 6 سنوات والذى تمخض فى استفتاء كاسح بلغ 99% قبل شهور عن رغبة جنوبية فى الاستقلال . فيما ان الجار الام السودان الشمالى كان أول المعترفين من الدول بالجنوب الوليد ، بعد أزمة كادت تهدد بعودة شبح الحرب الاهلية التى دامت فى الماضى لأكثر من عقدين من الزمن. ردود أفعال مرحبة وإقرار رسمي من الأممالمتحدة صلاح خليل الباحث السودانى المشارك فى برنامج السودان وحوض النيل بمركز الاهرام لم يبد حزنه على ما جرى ، فهو وإن كان ابن الشمال ، إلا أنه يرى أن انشطار السودان رسميا على حد قوله شطره نصفين ، وفطر نفسه كمواطن سودانى عرف جوبا وأهلها كما عرف الخرطوم موطن رأسه. أما الرسميون فى الشمال ، فيرون وان كان بنبرة حزن أيضا ، أن الخيار لأبناء الجنوب كانت له دوافعه التى افرغت فى الاتفاقيات ، وأن المطلوب هو أن تكون هناك دولتنا على الخريطة لكن فى الواقع لا يجب أن تكون هناك دولتان لشعب واحد يعرف نفسه على أنه السودان بغض النظر عن موقعه كما يقول وليد السيد المسؤول فى حزب المؤتمر الشعبى السودانى. وفى قراءة اولية لتلك السياسة المرتقبة للدولة الجديدة يقول عبده حماد الباحث والمراقب السودانى فى مقابلة معه ، حول مستقبل العلاقات الشمالية الجنوبية السودانية « الدولة الوليدة هى فى حاجة لأن تكون اكثر بحث عن العلاقات التكاملية مع الشمال ، حيث أن 98 % من عائدات النفط تجبى من الشمال ، حتى ولو لم تكن الابار متمركزه فى الشمال لكن خطوط الانتاج والتصدير كلها مرتبطة به «. وبالتالى كما يضيف لضمان أمان ضخ النفط واستفادة الجنوب منه فمن الضرورى أن تكون العلاقات ايجابية حتى فى المشكلات المشتركة مثل « آبيى « والتى لم تحل بعد من الممكن أن يصلوا لتسوية فيها هى وبقية القضايا العالقة، واذا لم يستطيعوا التسوية فسنكون أمام أزمة تتجلى فى أن مد انابيب جديدة من خلال كينيا يحتاج الى عامين على الاقل ، وليس لدى الجنوبيين المخزون الكافى خلال تلك الفترة ، ولا الكوادر الفنية المؤهلة لادارة العملية الانتاجية ، كما أن الامر فى يد الميليشيات القبيلة. وعليه تحتاج الامور لترتيبات و تدريب وهم ليس لديهم من الموارد ما يمكنهم من ذلك ، كما انه ليس متوفرا لديهم الاعتماد على القطاع الزراعى الذى يحتاج الى وقت ومال وبالتالى المرحلة الاولى فى العلاقات بينهم ستكون حميمية والعامل الرئيسى هو العامل الحاكم لها هو العنصر الاقتصادى ، كذلك فى المقابل دولة الشمال لديها طابع استهلاكى يعتمد بالضرورة على نفس الترتيبات الاقتصادية ومن ثم لا يمكن باى حال اى يصمد السودان الشمالى لأكثر من 6 اشهر دون الحاجة الى ادارة علاقات جيدة مع الجنوب . الخبير فى الشؤون السودانية هانى رسلان ، يرى فى تداعيات الانفصال السودانى على مصر والوطن العربى سيؤدى إلى إعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة الممتدة من حدود الشماليين مع مصر وليبيا وصولا إلى منطقة البحيرات العظمى والقرن الأفريقى. ويضيف رسلان حول تداعيات الانفصال على مصر « سيؤدى الانفصال إلى تأثيرات سلبية على المياه في حوض النيل وأمن البحر الأحمر وقناة السويس, وهذه كلها تتصل بالأمن القومي المصرى, وستكون مصر مضطرة لإعادة النظر في استراتيجية التعامل مع التهديدات والمخاطر المستجدة». فى السياق ذاته يقول حماد « الدولة المصرية عليها دور مضاعف للعب دور فى تقريب وجهات النظر فى القضايا الثلاثية وبين مصر والجنوب ، ومصر والشمال ، ومصر والشمال والجنوب معاً ، متفقا مع رسلان فى أن أى خلاف شمالى جنوبى سيكون من أول تداعياته البحث فى أوراق ملف حوض النيل ، حيث أن أى خلاف سينعكس على الدولة المصرية خاصة فى انحيازها مع اى من الدولتين وبالتالى عليها - مصر - ان تقف على مسافة واحدة من الطرفين .
حسن النوايا في إقامة علاقات متبادلة بين الطرفين من جانبه أكد نصر الدين موسى كشيب رئيس مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان بالقاهرة، أن جنوب السودان لن يكون خنجراً في ظهر شمال السودان كما سوف يكون بوابة العرب لأفريقيا، موضحاً أن دولتي جنوب السودان «الوليد» وشمال السودان لهما خصوصة في العلاقات، حيث العلاقات الاجتماعية المتداخلة، فالأسرة الواحدة تجد الأم من الجنوب والأب من الشمال والعكس. قال كشيب إن فلسفة القيادة في جنوب السودان تقوم على التنمية الداخلية وتوفير متطلبات المواطن وإقامة بنية تحتية قوية أولاً، وأن العلاقات الخارجية ومع دول الجوار تقوم على أسس الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل، موضحاً أن مبادرة الرئيس عمر البشير رئيس دولة شمال السودان في الاستباق بالاعتراف بدولة جنوب السودان بشكل رسمي لها دلالة قوية على حسن النوايا في إقامة علاقات متبادلة على الاحترام بين الجانبين. من جانبه قال جيفور مكوي ضو البيت، الأمين العام للمؤتمر الوطني بالقاهرة، إن تفاعلات المعادلة بين شمال وجنوب السودان تعطي في النهاية سلاماً واستقراراً وليس حرباً ودماراً، بحيث يسمح بتحقيق التعاون المشترك بين الجانبين في شتى المجالات، خاصة على الصعيد الاقتصادي، واستثمار الطاقات والموارد التي تتمتع بها السودان، حيث كلتا الدولتين في شمال وجنوب السودان يكمل بعضهما البعض، وهناك كثير من القواسم المشتركة، وعلاقات اجتماعية متجذرة في التاريخ. وأوضح مكوي أنه فيما يتعلق بمخاوف البعض من تحوّل الملفات العالقة بين شمال وجنوب السودان وفي مقدّمتها النزاع حول منطقة أبيي وموضوع البترول وغيره، فإن الإرادة السياسية القوية للقيادتين في شمال وجنوب السودان تعي كل منهما الخيارات جيداً، إما العودة لزمن الحرب والدمار أو تحكيم العقل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وبحث الأزمات والبحث عن حلول تحقق التوازن للجانبين وتجنبهما طريق الواجهة والعنف، وهي إرادة قوية عند الطرفين بأن خيار الحرب غير وارد وتم حذفه من قاموس العلاقات بين القطرين الشقيقين الشمال والجنوب. ويتفق إبراهيم آدم المستشار الثقافي للسفارة السودانية بالقاهرة مع رأي جيفور مكوي بضرورة أن يقتصر تواجد القوى المعارضة في جنوب السودان على التواجد السياسي فقط دون القيام بعمليات مسلحة تهدد شمال السودان، موضحاً ثقته في أن حكومة جنوب السودان تعي أهمية ذلك ولديها من الفطنة والذكاء مما يجعلها تنأى بنفسها عن خلق مشاكل مع جارتها في الشمال، خاصة في فترة تكوينها وبناء هياكلها المؤسساتية، وحاجتها إلى مد يد التعاون بينها وبين شمال السودان، الذي أعلن حسن نواياه بأن كان أول من اعترف رسميا بالدول الجديدة في الجنوب..
الكيان الصهيوني يلعب دورا أساسيا في جنوب السودان لكن هناك ملف أمن قومي آخر ينتظر الجميع ، وهو قفز إسرائيل إلى المجتمع الجنوبي السوادني ، و في هذا الصدد كان كمال حسن علي وزير الدولة للشؤون الخارجية قال في مقابلة سابقة معه قبل إعلان نتجية الاستفاء إن هناك العديد من السيناريوهات الاسرائيلية حاضرة في المشهد و يكفي محاضرة آفي ديخير مسؤول الأمن القومي الاسرائيلي الأسبق حول مستقبل الرؤية الاسرائيلية لتقسيم السودان و التي كانت حاضرة في المشهد و سبقته بسنوات . أما رسلان فيقول إن الكيان الصهيوني يلعب دورا أساسيا في جنوب السودان, وسيكون له دور مؤثر في توجهات هذه الدولة؛ فهو يسعى إلى إعادة تقسيم السودان, ومحاصرة مصر من الجنوب و التأثير على حصتها من مياه النيل . لكن في المقابل يبدو أن لحماد رؤية أخرى ، فهو يرى أن الجنوبيين و بعد معاناه صعبة ، الأن دولتهم ولدت و هي الدولة التي من المفترض أن لها هوية خاصة ، و إذا بدأنا نتكلم أن إسرئيل تحتوي هذه الدولة الوليدة فهي رسائل سالبة .... وهم منذ 2005 اتضح لهم أشياء كثيرة خاصة بالمجتمع الدولي مع حاجتهم إلى بناء البنية التحية و رفض المؤسسات الدولية هم أدركوا أنه من الممكن أن تكون العلاقات مع إسرائيل أمر مرحلي . و يضيف و من الوارد أن يكون لديهم علاقات مع إسرائيل لكن ليست بالمتينة و بالتالي الدولة في الشمال ومصر عليهم التعامل بشكل جدي في الخدمات و البنية ، وهم سيقدون لمصر دورها مدركين لهذه المسألة في أن علاقات مباشرة مع الكهيان الصهويني لن تجديهم كثيرا بعد خبرة و تجربة . الدول العربية مطالبة بزيادة استثماراتها في جنوب السودان خلال هذه المرحلة من أجل دعمه ومساعدته يؤكد السفير عبدالرحمن سر الختم سفير السودان لدى مصر و مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية، أن حكومة السودان لم يكن لها أن تقبل بالتخلي عن جنوب السودان والقبول باستقلال مرضي عنه، إلا من أجل الوصول إلى سلام دائم، يجنب أبناء الشعب السوداني ويلات الحرب. أضاف إن هناك كثيرا من الاستحقاقات على الجانبين للحفاظ على السلام باعتباره من أهم الإنجازات التي تحققت بعد وقف القتال بين الجانبين ، و القبول بالمفاوضات حتى مرحلة تقرير المصير، لتأتي الآن مرحلة التعاون المشترك من أجل بناء الإنسان السوداني في جنوب و شمال السودان ، من خلال مشروعات تنموية شاملة في كافة المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية . و قال الدكتور محمد إبراهيم منصور أستاذ الاقتصاد إن لديه قناعة بأن جنوب السودان سوف يركز خلال مرحلته المقبلة على تحقيق التوازن المطلوب في علاقاته الخارجية مع الدول بعيدا عن الدخول في مواجهات ، و أن الأولوية في العمل سوف تكون من أجل تدعيم البنية التحتية لتوفير حياة كريمة لشعب الجنوب ، و هذا يتطلب مد يد العون من الدول المجاورة له، وهنا يأتي دور شمال السودان ، و أيضا مصر التي بدورها حريصة على توطيد العلاقات مع الجنوب السوداني ، و قد بدأت هذه التحركات حتى قبل الإعلان الرسمي عن إقامة دولة الجنوب يوم 9 يوليو، حيث استبقت الحكومة المصرية ذلك بفتح فرع لجامعة الإسكندرية في جوبا عاصمة الجنوب السوداني، وتسعى حاليا لفتح سفارة مصرية في جنوب السودان، فضلا عن تقديم منح دراسية لأبناء الجنوب في الجامعات المصرية. أضاف الدكتور منصور أن الدول العربية مطالبة بزيادة استثماراتها في جنوب السودان خلال هذه المرحلة من أجل دعمه ومساعدته على إقامة مشروعات تنموية تنهض بالمواطن الجنوبي وتحقق له مستوى معقول من الحياة الكريمة، بعد أن ظل يعاني عقودا طويلة من التهميش.