هي سيدة من ذاكرة تاريخنا المحلي الجميل إن حسبه البعض كذلك , فتبدو يد السيدة تلك متشققة كثمرة لوز تستجيب لقسوة اللب في داخلها , تصحو قبل الفجر لتحمل جرّتها الفخارية إلى حيث عين الماء في وسط قريتها الصغيرة ثم تعود لتبدأ مراس يومها الصعب في بيت تشاركها في أركانه بقرتها الحلوب وبعض من دجاجات البلد البياض فتحلب وتخبز وتعد القهوة استعدادا ليوم شاق تطعم فيه الجميع بما تيسر وبصمت لا يخلو من دعاء قلب الأم وابتسامة الرضا العفوية مواصلة الجهد كربة بيت من الطراز العتيق حتى يغدو بعض النهار حاملة « بقشة « أثواب تتوسط « طشتها « المعدني المطعج والذي كان يوما ما جزءا من جهاز عرسها الذي أنجبت خلاله عشرة أنفس ما بين صبيان وبنات , فلا شيء يلازم طريقها بين الحقول سوى صوت الطشت المنهك بالدعك والتلاطم على صخرة « ثبر « القرية حيث مجرى الماء وتجمع النساء لنفس المهمة وأحاديثهن المفعمة بالعفوية حول جوانب المجرى لغسيل بعض مما لديهن من أثواب هي الأخرى قليلة ومنهكة بفعل الزمن ك ناس القرية عموما حيث يغفو الجميع مع قريتهم بعد سمر غير طويل لا يخلو من حكايات « السلعو المخيف « و» أم الخضر والليف « لرسم خيال مخيف دائما للناشئة أما الكبار فربما كانت تغريهم الأغاني الممزوجة بالمشوشات الخافتة لمذياع دكان صغير في طرف القرية يبيع « الجاز» القرية حيث مجرى الماء وتجمع النساء لنفس المهمة وأحاديثهن المفعمة بالعفوية حول جوانب المجرى لغسيل بعض مما لديهن من أثواب هي الأخرى قليلة ومنهكة بفعل الزمن ك ناس القرية عموما حيث يغفو الجميع مع قريتهم بعد سمر غير طويل لا يخلو من حكاياتوبعض المعلبات والثلج المائع تحت خيش نتن بفعل الرطوبة و الحرارة , تلك السيدة ربما تكون هي أمك أو أمي أو إحدى جداتنا ممن عانين كثيرا من ظروف الوقت وقسوة لحظاته وإمكانياته بل كن شريكات في العمل هنا إما في الفلاحة أو الخياطة أو غيرها من مهمات النساء في الحضر والبوادي فقد حضرن فاعلات صابرات راضيات ونلن جميعا شرف الأمومة والرعاية لأجيال لازمها الذهب مابين أسوده وأحمره فاستعابت ماضيها وراحت تغدو نحو الحداثة وبريق معالمها في كل شيء وكأننا شبان وشابات اليوم بملابسنا الناصعة البياض وأسناننا المقومة وسياراتنا الفارهة وموبيلاتنا المتطورة وأرصدة بعضنا المترهلة وماركات أحذيتنا وحقائبنا وساعاتنا كأننا لسنا امتدادا لذلك التاريخ وواقعه العسير ومشاهده البسيطة الهادئة فلم يعد لنا مع الصبر معرفة أو طاقة لنتحمل ولو بعضا من الظروف فقد تعالت الصيحات مؤخرا عندما أوقفت الدولة استقدام الخادمات من جمهوريتي اندونيسيا والفلبين بعد خلافات عميقة في صيغ الاستقدام والتعاقد , فقد شاهدت إحداهن هنا تبكي بحرقة لمجرد تعطل وصول خادمتها بسبب ذلك القرار وكأن أختنا الكريمة تلك قد فقدت عزيزا أو ضاع منها شيء ثمين فربما أنهكها صنع الساندويتشات لأطفالها أو مجرد إرسال الغسيل إلى المصابغ المجاورة وتكرار طلب أطباق « آلتيك أوي « من المطاعم العديدة في حوارينا , كانت الأخت الكريمة تبكي بصوت مبحوح وملفت لكل من حضر للمفاهمة مع مكتب الاستقدام المتعثر بفعل قرار الإيقاف , المهم صوت البكاء في هذا الموقف الغريب ذكرني بصوت « الطشت « المتصدع فوق رؤوس أمهاتنا وجداتنا فرغم أن ذلك وقت قد مضى إلا أن حيرتنا في مواجهته مجرد خدمة أنفسنا هو الآخر أمر محيّر فعلا . [email protected]