أحن.. الى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي و تكبر في الطفولة يوماً على صدر أمي وأعشق عمري لاني اذا مت اخجل من دمع امي ! خذيني،اذا عدت يوماً وشاحاً لهديك وغطي عظامي بعشب تعمد من طهر كعبك وشدي وثاقي.. بخصلة شعر بخيط يلوح في ذيل ثوبك ضعيني، اذا ما رجعت وقوداً بتنور نارك وحبل غسيل على سطح دارك.. مات محمود درويش، وانسابت دموع كان يخجل منها على وجنتي عجوز، تمثل حجم الالم، ترجل الفارس الذي عشق فلسطين والعروبة، فانسابت من فمه قصائد خالدة، تحكي قصة الحزن والالم والامل الفلسطيني.. شاعر فلسطين الكبير، ورمز الشعر الفلسطيني المقاوم، اغمض عينيه، هناك بعيدا عن معشوقته فلسطين، ثم مضى في رحلته الابدية، هناك بعيدا بعيدا بعيدا، غادرت روح الشاعر الكبير جسدا انهكته السنون، فانطوت صفحة ناصعة ليس في الشعر العربي فحسب، وانما صفحة زاهية في الشعر العالمي ايضا قبل ستة وستين عاما ولد درويش في فلسطين في قرية البروة في الجليل الغربي عام 1942م، التي دمرها الاحتلال عام 1948م، وأقيم مكانها قرية زراعية يهودية باسم ''أحي هود''، ونشأ وترعرع في قريته الجديدة المجاورة لقريته. فعاش الغربة في وطنه، ليزهر قصائد وطنية رائعة ستظل شعرا خالدا، لاسيما وان هذا الفارس الكبير يعتبر احد أهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين، وأهم اعمدة الشعر العربي الحديث الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، وبين أبرز من ساهموا بتطوير الشعر العربي الحديث الذي مزج شعر الحب بالوطن. فكان شاعرا وانسانا، ومناضلا، وبخط يده قام درويش بكتابة إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي تم إعلانه في الجزائر عام 1988م. ولقد أرسى درويس قوانين جديدة في نحت الكلمات الشعرية على لحاء شجر الزيتون(اللوز الفلسطيني) فكان ملحمة شعرية، وقصة نضال طويل، يمثل بكل وضوح مدى وحجم الجرح الفلسطيني الذي يابى الاندمال، على مدى عشرات السنين. هناك بعيدا عن فلسطين وفي بلاد، لطالما ادمته بمواقفها المؤيدة لمحتلي ارضه، تشاء الصدف ان يغمض درويش عينيه الخضراوين، لتغيب عن ساحات الشعر العربي، اجمل ساحاته الخضراء واكثرها خصوبة. محمود كان يتنبأ برحيله عندما قال منذ زمن ليس ببعيد سيري ببطء ياحياة لكي اراك بكامل النقصان حولي كم نسيتك في خضمك باحثا عني وعنك وكلما أدركت سرا منك قلت بقسوة ما أجهلك قل للغياب نقصتني وانا حضرت لأكملك. رحل درويش ورحلت معه، ايام عاصفة سجلها بقلمه ودمه، لكنه سيبقى رمزا لنضال طويل، وعنوانا لانسان احب وطنه وانجدل في ترابه فوداعا ايها الشاعر الكبير ايها الفارس الذي ترجل بعد طول عناء تاركا فرسه حزينا وداعا يا ايها الحالم بالفرح والنصر وداعا لك وانت ترفل في ثوب شعرك، عالم الابدية والخلود وداعا يا فارس فلسطين والشعر الفلسطيني المقاوم ولتنم في مثواك الاخير وكما قال احدهم فيك: رحلت وما كنت تنوي الرحيل وكان البقاء هو المستحيل نعتك البلابل عند المساء واغصان زيتونة في الجليل بكتك الفراشات عند الصباح ورددت الريح صوت العويل مضى فارس الشعر مات غريبا فكيف ستصهل تلك الخيول وكيف تطير العصافير فجرا وكيف تغرد فوق النخيل نعم ايها الشاعر الكبير، لقد كنت قلب المقاومة وشعرها عندما تبكي معه الجماهير وتصفق، وعندما يفرح ويزغرد تهتف له الناس وتدمع عيونها تأثراً بهذا الحالم دوماً بعروس تشبه وطنه. فوداعا ايها الراحل، تاركا فرس الشعر حزينا، لكن ما يعزينا انك تركت ارثا من الشعرالعربي المهم الخالد في الذاكرة والوجدان، ستتذكره الاجيال ما بقي للشعر حضورا، وللقصيدة والفن مكانا في هذا العالم..فقد قال ذات يوما باحدى قصائده الأخيرة: ألم أقتلك..فقلت نعم قتلتني ولكني نسيت أن أموت.. ولكن درويش لم تخنه الذاكرة ولم ينس أن يموت.. فترجل وترك الحصان وحيدا!!