محمد بن عيسى الكنعان - الجزيرة ما يميز المجتمعات المتحضرة هي (الأعمال الإبداعية) في البحوث الطبية والمنجزات العلمية والآداب الراقية والفنون الجميلة، خاصةً مع وجود وسائل إعلام متقدمة تقنياً ومتمكنة فكرياً، فتسلط الأضواء عبر البرامج واللقاءات والأخبار على الشخصيات المبدعة لتلك الأعمال فتُعرّف بأصحابها وصانعيها، وهذا يفسر بقاء أسماء النجوم والمشاهير من أصحاب الفن وأهل الرياضة - تحديداً- في الذهنية الجماهيرية العامة، فكل الأضواء الإعلامية موجهة عليهم حتى أنها توغلت في حياتهم، لدرجة أنها كشفت لنا مقاسات أحذيتهم (أعزكم الله)، وأدق التفاصيل في نوعية المستحضرات التجميلية التي تستخدمها تلك الفنانة أو ذاك المطرب لإخفاء تجاعيد الزمن وزحف العمر. في المقابل لم يجد العلماء والأكاديميين وعموم المثقفين من شعراء وأدباء ورواة إنصافاً حقيقياً من الإعلام، إلا اللهم من الصحافة التي خصصت للمثقفين والأدباء بعض صفحاتها الأسبوعية، أما العلماء والباحثون والأكاديميون فلا زالوا يكابدون معاناة القطيعة الإعلامية المستمرة، رغم أنهم شامة المجتمع والعلامة الفارقة في مدى تطوره وتحضره. أما الأنكى والباعث الأشد للأسف والحسرة فهو واقع (السعوديات المبدعات) في مجالي البحث العلمي والتقدم الطبي، فهن مغيبات عن مسرح الحقيقة الاجتماعية وأضواء الإعلام الساطعة، فلا تجد لهن ذكراً إلا في مقال إشادة منزوٍ أو خلال طيات خبر عابر في إحدى صحفنا المحلية، على الرغم من الإنجاز العلمي والعالمي الذي حققته هذه المبدعة السعودية أو تلك، وهو إنجاز يكتب بماء الذهب ويطرز بأكاليل الفرح على نواصي شوارعنا وفي مؤسساتنا التعليمية وصروحنا الطبية، لكن أن يحتفي الإعلام بقنواته الفضائية التي تملأ البيوت وتتقاتل على استقطاب المشاهدين بهذه الفئة المشرّفة بأعمالها والمُشرقة بنور العلم فلا.. فهن أعلام بلا إعلام!! لأنه إعلام مشغول بزعيق أغاني الفيديو كليب، ومهرجانات شعر المتاجرة العنصرية، ومسلسلات التهافت العربي، وبرامج المتردية والنطيحة وما أكل السبع كستار أكاديمي وليالي السمر ومسابقات اليانصيب الفضائي. إذاً كيف لمجتمع يبحث عن الإبداع في أصغر المواهب بين مواطنيه أن يعلم أن (المرأة السعودية) وصلت مراتب عليا في البحث العلمي العالمي، وتفوقت على نظرائها من علماء الدنيا، وحققت جوائز عالمية، كيف لهذا المجتمع أن يعرف قامات كأمثال المبدعات: (حياة سندي وفاتن خورشيد وهويدا القثامي ومشاعل بنت محمد آل سعود وريم الطويرقي وأحلام العوضي وإلهام أبو الجدايل ونورا رشاد وغادة المطيري ومضاوي السحيباني ومنال القطان وتولين العوضي وناهد هيكل وعواطف الجديبي وإيمان المطيري.. وغيرهن)؟ قطعاً لن يعرف!! لأنه لم يعتد الحديث عن العلم وتقدير العلماء أو يجول في أقبية البحث الطبي، خاصة من قبل النساء، لذا سيصاب بالكآبة والضيق عندما يلتقي إحداهن، لأنها سوف تحدثه عن تكريمها في محفل عالمي بمناسبة العام العالمي للفيزياء، أو تقول الأخرى لكل الدنيا إنها أول عربية تحصل على الدكتوراه في التقنية الحيوية من جامعة كامبردج، وأنها توصلت لعدد من الاختراعات العلمية وسوف تكرم في محفل عالمي ضمن 15 عالماً، أو تشير أخرى إلى أنها استطاعت أن تفوز بميداليتين فضيتين من بين 730 مخترعاً مشاركاً في معرض الاختراعات الدولي بسويسرا، أو تتباهى إحداهن بحصولها على جائزة الإبداع العلمي من أكبر منظمة لدعم البحث العلمي في أميركا، التي تمنح لأفضل مشروع بحثي من بين عشرة آلاف باحث وباحثة، وغير ذلك من أحاديث الاعتزاز والفخر والمجد الحقيقي الذي سطرته سعوديات مبدعات. فهذا الإعلام اعتاد أن تتحدث إحداهن عن مسيرتها الفنية، أو مشاريعها التجارية، أو أفكارها التحررية، فيجترها في برامجه وحواراته وكأن هذه هي القمة التي نسعى إليها أو مجدنا الضائع الذي نبحث عنه، أو مشاركتنا الوطنية في بناء الحضارة الإنسانية.