بعد أقل من شهر يَحل على المعمورة ضيف عزيز، وعلى الأمة يَفِد شهر مبارك كريم. وفي غضون أيام قلائل يُهلّ بدره عليهم، وعلينا، ثم هي أيام معدودات ويستحيل ذلك البدر بالزوال، والأفول مؤذنا بنهاية { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}. كلنا يعرف، لا .. بل يؤمن بأن الله اختص هذا الشهر العزيز بمميزات، وفضائل عن غيره من الشهور من أهمها، وأبرزها الميزة الإلهية، والجائزة الربانية للناس ذلك عندما سجن الشياطين عنهم فلا تجتالهم، وصفّدها كي لا تصل إلى أحد منهم .. ولعل من تلك الميزة جاء احساس الكثير من الناس بروحانية غريبة في هذا الشهر، وسكينة تتسلل إلى بواطن قلوبهم، وطمأنينة لم يعهدوها من قبل شهرهم المبارك، أو بعده. قال قائل: كل ذا نعرفه تماما، وجميع ماسبق نحفظه عن ظهر قلب؛ غير أن منا من يشكو وداع الضيف دون أن يستكين إلى سكينته، أو يطمئن في ظل طمأنينته كما يعتقدون، وتعتقدون فما سرّ ذلك الغياب؟! ومن هنا تجيبنا الحقيقة الحاضرة أن ثمّة حقيقة غابت عن أفهام البعض هي ذاتها التي تقف وراء عدم احساسهم بروحانية، وطمأنينة هذا الشهر الغالي ولياليه الملاح .. ألا وهي أن الله قد سلّط في شهره الكريم وكلاء الشياطين، وإخوان دعوتهم من بني آدم، وأرسلهم على كل من لم، أو لن يرعوي، أو يعرف حقيقة وجوده، وعظمة شهره فاجتالوهم نيابة عن شياطين الجن بمغريات المال، وأخذوهم بامبراطورياتهم الإعلامية، وخدعها البصرية بعيدا عن طمأنينة الصوم، وهدوء الصلاة، وروحانية الدعاء المستجاب، ومقابلة، ومناجاة من بيده مقاليد الأمر، وسعادة الكون، أو شقاء الخليقة. ومن هنا تجيبنا الحقيقة الحاضرة بأن ثمّة حقيقة غابت عن أفهام البعض هي ذاتها التي تقف وراء عدم احساسهم بروحانية، وطمأنينة هذا الشهر الغالي ولياليه الملاح .. ألا وهي أن الله قد سلّط في شهره الكريم وكلاء الشياطين، وإخوان دعوتهم من بني آدم، وأرسلهم على كل من لم، أو لن يرعوي، أو يعرف حقيقة وجوده، وعظمة شهره نحن، وهم، وأولئك .. بشر خُلقنا من مزيج متحد. غير أن أفهامنا، وعقولنا، ومعتقداتنا الإيمانية، ورؤانا المستقبلية ذات نسيج مختلف. إنهم، من رمضان وحتى رمضان التالي يفكرون، ويخططون. يبتكرون، ويعملون. يسافرون، ويحضرون. يخسرون وغالبا لا يربحون. يلهثون، ويتعبون؛ وكل ذلك من أجل اللحاق بشهر رمضان المبارك. مَن أولئك، وماهي بضاعتهم التي لها يسوقون؟! ماهي أرباحهم، ومن يا ترى يستهدفون؟!. أولئك بعض أصحاب القنوات الفضائية من وكلاء ( الشياطين ) والذين لا هم لهم إلا صرف الناس - بمسلسلات لا ترقى إلى مصاف القيم، والأخلاق - عن الأرباح الحقيقية الهائلة والتي لا تتكرر في السنة إلا مرّة واحدة وفي شهر واحد مبارك. أما أرباحهم، ومن يستهدفون؟! فجلب الأموال على حساب الأخذ بالبعض ممن لا يستطيع لجم ملذاته إلى حيث الخسارة الحقيقية، وفوات الفرص، والهبات. وعلى النقيض من هؤلاء .. هنالك قوم حالهم كحال أولاء من حيث التعب، والكد، والحضر، والسفر سوى أنهم يخسرون أوقاتهم، وأموالهم، وأولادهم ليس إلا من أجل أن يربحوا عبر امبراطورياتهم الإعلامية الهادفة نفسا طالما ابتعدت عن ذاتها، وانفصمت عن روحها لتقترب في شهر الهبات إلى كينونتها فتجمع شتات أجزائها برجوعها إلى بارئها، واستغلالها لفرصة الربح في مهرجان النجاة، والفوز الآني، والأبدي الآتي. أما نحن .. فيا ترى من نحن في زحمة المعركة التي تدور رحاها من أجل الظفر بقلوبنا، وعقولنا في شهر الفرص، أو حتى غيره من شهور الزمن؟! سؤال لا يُجاب عنه بالنيابة قال تعالى {بل الإنسان على نفسه بصيرة}. وقديما قالوا: (العاقل خصيم نفسه ) .. ودمتم أيها القراء الأعزاء بخير. [email protected]