وعاد إلينا شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والقيام، والإكثار من تلاوة كلام الرحمن، شهر تعلوه روحانية لامثيل لها، تمتنع فيها النفوس عن مقاربة الملذات والطيبات، وهي لها تائقة امتثالا لأمر رب البريات، وطاعة لخالق الأرض والسماوات، شهر تتوحد فيه مشاعر المسلمين، وتتماثل عنده أحاسيس المؤمنين، الذين يزاولون جميعا عبادة الصيام، من فجر يومهم إلى الغروب، ثم يفطرون حامدين الله على نعمة الصيام، ويتجهون بعد العشاء لأداء عبادة القيام، في روحانية من العبادة تطهر النفوس من أدرانها، وتهذب الأخلاق من أدوائها، لولا ماكدرها في هذا الشهر الفضيل، شهر الصيام والقيام، من مسلسلات الأفلام، التي تزداد بشكل ملحوظ في شهرنا المبارك، حاملة معها صداع المشاكل، وتفسخ المشاهد، وصخب الأغاني، وعبث الضحك، وسخرية التمثيل، في قائمة مزرية بالمشاهِدين والمشاهَدين، وكل ذلك في شهر عظيم أنزل فيه كلام رب العالمين وتعمر فيه مساجد المسلمين. لقد سمرت هذه المسلسلات- مع الأسف- أفراداً وأسراً في أماكنهم، وخدرتهم في مضاجهم، فجعلها بعضهم أنيسه في رمضان، وحجته لقطع صلة الأرحام بعد القيام، فلا يزور ولايزار، فبطنه مملوءة بالأكلات، وعينه مشدوهة في القنوات، وفكره هائم في المسلسلات، ولوكنت من المحافظين ورجوت قريباً لك من هؤلاء أن يشرفك بسهرة في رمضان، لاحتج واعتذر، واعتل بما البهر، وقال إن زرتك افتقدت في بيتك مسلسلي، فازدادت بذلك علتي، وقلت غلتي، فاعفني من الزيارة، وافهمها ياقريبي بالإشارة. لقد نسي المسكين أنه في شهر رمضان الفضيل، الذي عظمه ربنا الجليل، وجعل فيه ليلة القدر ذات الشأن الكبير إذ تتنزل فيه الملائكة يقدمها جبريل، إنه شهر التلاوات لا المسلسلات، والصيام والصلوات لا القنوات، فهل من معتبر ضنين على عمره، وعاقل يعرف قدر شهر.