بحق.. بعض التعليقات التي تدوّن من قبل القراء تعطي مؤشراً واضحاً على مدى القرب او البعد عن القيم، وقد لمست ذلك من خلال تفاعلهم مع حقوق المغتصبات وهو ما يؤكد أن المجتمع السعودي يضمّ غالبية تقرّ بحقوق ضحايا تلك الجريمة البشعة، غالبية ترفض أن تسبح مع التيار الذي يحمّل الضحايا العار ويزيد من معاناتهن، وقد توقفت كثيراً أمام رسالة وصلتني على بريدي الإلكتروني الشخصي، وهذا نصّها كما وردت «قرأت مقالكم الكريم عن المغتصبات والذي نشر في جريدة (اليوم)، فكان السؤال الموجّه لي «هل من الممكن السعي في ستر المغتصبات، حيث إن هذه الفكرة تراودني منذ فترة، وشكراً، العمل الصحيح كما أعتقد، هو تأهيل الضحايا نفسياً ومجتمعياً، بحيث تعود تدريجياً للحياة الطبيعية، وتندمج بشكل كامل مع مجتمعها، وهذا التأهيل يقوم على أسس علمية وهناك متخصصون بهذا المجال، كما يحتاج لتعاون وفهم من الأسرة والأقارب المحيطين بالضحية. أرجو أن يكون الرد وافياً» أعترف للقارئ العزيز، ولكم بأني لم أفهم السؤال جيداً، فما المقصود بالستر؟ أعتقد أنها تحمل معنيين: الأول هو حماية خصوصية الضحايا والحفاظ على أسرارهم، وبهذا المعنى، التأكيد على خصوصية الضحايا من أهم الحقوق التي يجب الحفاظ عليها، والخصوصية من الحقوق الأصيلة بالإسلام، قبل أي شرعية حقوقية بقرون، وهذا الحق مسئولية المجتمع كله وليس الحكومة فقط، حتى لو عرفنا معلومات عن الضحايا فيجب عدم الكشف عنها لأي جهة، بل علينا عقاب أي شخص يفضح معلومات خاصة بالضحايا أو مجرد ذكر الأسماء، أما المعنى الثاني، فهو الزواج، وهذا هو المعنى الصعب، فمن حيث المبدأ، لا يوجد أي مانع يحول بين الضحايا وبين الزواج، بل على العكس، وجود زوج واعٍ ومتفهّم للمعاناة التي تعيشها الضحية، يساعد كثيراً على تخفيف الألم، ولكن الصعوبة تكمن في وجود مثل هذا الزوج، وللأسف الشديد، هناك مواقف رجعية جداً بمثل تلك الحالات، لأن هناك من الرجال من يحمل ثقافة سلبية تجاه الضحية، وما يزيد من الصعوبة، أن الزواج علاقة مقدَّرة، تقوم على التوافق الإنساني بين الطرفين، ومن الخطر أن يقوم الزواج على التعاطف مع معاناة إنسانة تعرّضت لأبشع الجرائم، لذلك لا أعتقد أن السعي لتزويج الضحايا حتى لو من إنسان متنوّر هو العمل الصائب، والعمل الصحيح كما أعتقد، هو تأهيل الضحايا نفسياً ومجتمعياً، بحيث تعود تدريجياً للحياة الطبيعية، وتندمج بشكل كامل مع مجتمعها، وهذا التأهيل يقوم على أسس علمية وهناك متخصصون بهذا المجال، كما يحتاج لتعاون وفهم من الأسرة والأقارب المحيطين بالضحية، كما نحتاج لنشر ثقافة مجتمعية تقبل الضحية وتقرّ بحقوقها ولا تحمّلها عاراً ليست مسئولة عنه، أرجو أن تكون إجابتي مقبولة، واسمحوا لي قبل الختام أن أقول لكم: عندما كنت في جامعتي الأمريكية في الثمانينيات لم يدُر في خلدي أنه سيأتي اليوم الذي نناقش فيه هذه المواضيع إعلامياً فقد كان موضوع الاغتصاب، والتحرّش الجنسي والإجهاض، والعلاقة المثلية من الأمور الساخنة التي يتم طرحها ونحن في قاعة المحاضرات وكذا في وسائل الإعلام.. حفظ الله بنات وابناء هذا الوطن الحبيب. [email protected]