دخلت الديوانية، وعلى غير العادة، فوجدت أوراق الجرائد متناثرة هنا وهناك، وبدلاً من التوجه لشاشة التلفزيون، وجدت رواد الديوانية يتحدثون بشكل جماعي مع بعضهم البعض، هذا يعد نفسه بتقليص ديونه، وآخر يحلم بشراء سيارة أوسع لعياله، وذاك منشغل بحاسبة جواله، كانوا مختلفين، لكن تجمعهم الفرحة. حالة لا تحدث إلا في المناسبات الكبرى. إنه سلم الرواتب الجديد. سلم الرواتب مخصص لاستخدام فئة محددة من المواطنين وهم موظفو الدولة. هذه الفئة من الشعب تنتظر بفارغ الصبر ارتقاء هذا السلم، خطوة، خطوة، لتصل إلى مرتقى يتنفس فيه الموظف هواءً نقياً خالياً من الديون والحسابات المغلقة، لكن .. الحذر الحذر من الافراط في استخدام السلالم لدرجة تحميلها فوق قدرتها، هنا مكمن الحوادث! صمم سلمنا «الغالي» بحيث يتحمل ما يقارب المليون موظف، والرقم في نظري ليس كبيراً، إذ أن موظفي الدولة أغلبهم من خفيفي الوزن، ذوي البنية الضعيفة، وأغلب الظن أن السلم سيتحملهم دون مشاكل تذكر، فلا خوف ممن ثقلت نفوسهم بالهموم، الخوف كل الخوف ممن ثقلت «كروشهم» وأبدانهم بالشحوم! من الطبيعي أن تتسلل من بيننا فئة خفيفة وزن أخرى وهم أصحاب البقالات ومحلات الخضار والأجرة والحرفيون وغيرهم. فقد يقوم الحلاق أو السباك برفع التكلفة بشئ يسير مستفيداً من حالة المستهلك النفسية هذه الأيام وقبوله الدفع أكثر قليلاً. صمم سلمنا «الغالي» على أن يتحمل ما يقارب المليون موظف، والرقم في نظري ليس كبيراً، إذ أن موظفي الدولة أغلبهم من خفيفي الوزن، ذوي البنية الضعيفة، وأغلب الظن أن السلم سيتحملهم دون مشاكل تذكر، فلا خوف ممن ثقلت نفوسهم بالهموم، الخوف كل الخوف ممن ثقلت «كروشهم» وأبدانهم بالشحوم! الحقيقة أميل إلى التعاطف مع هذه الفئة، فهم في المقام الأول مستهلكون مثلنا، يقدمون لنا خدمات مباشرة، ويملكون إحساسا خاصا بحاجات وهموم المستهلك البسيط، لكن الخطر من أصحاب الوزن الثقيل، الخطر من أصحاب الأسماء الكبيرة عندما يقومون بتعديل أسعار المواد الغذائية وفق السلم الجديد، الخطر من أصحاب العقارات عندما يقومون بتجهيز عقود تأجير جديدة، والخطر من شركات الاتصالات عندما تطلق باقة جديدة احتفاءً بالسلم، والخطر من شركات النقل الكبرى عندما تحاول السير على الطرقات عمودياً تناسباً مع السلم.. هنا قل (يا ساتر). أقول: إذا لم تستطع الحكومة بأجهزتها الرقابية ضبط اللاعبين الكبار وكف أيديهم عنا، فعليها من الآن إعادة النظر في السلم الجديد، عليها إعادة تصميمه ليتحمل أوزانا كبيرة جداً، عليها تصميم أقوى سلم في العالم، عندها ( وعندها فقط ) يمكن لفرحتنا بهذا السلم أن تكتمل، عندها فقط يمكن للموظف الحكومي أن يبتسم بعد اليوم الخامس من الشهر. عند خروجي من الديوانية، سمعت أحدهم يسأل الجماعة : «يقولون الغاز بيرتفع سعره، صحيح؟».