بتنصيبه غداً الأحد، يسجل وزير الدفاع السابق، المشير عبدالفتاح السيسي، نفسه، سابع رئيس لمصر، في تاريخها الحديث، إذا استثنينا فترة رئيس مجلس الشعب الأسبق، د. صوفي أبو طالب، الذي حل شكلياً لثمانية أيام، في أعقاب اغتيال الراحل أنور السادات، وقبيل الاستفتاء على تولي نائبه حسني مبارك السلطة في 14 أكتوبر 1981.. وكذا تخليه عن السلطة في 11 فبراير 2011 للمجلس العسكري ليدير البلاد. وطيلة 62 عاماً، من 23 يوليو 1952، وحتى غداً الأحد، 8 يونيو 2014، ربما كان درس التاريخ قاسياً للرؤساء المصريين، بشكل دعا البعض للتحدث بلغة ساخرة، عن أن "لعنة الفراعنة: التي غالباً من تقف ك"صقر حورس" الشهير، بجوار كرسي الحكم، تكون دائماً متلازمة للسلطة، في بلد يعجُّ بالمتناقضات.. لتنتشر النكتة سريعاً في شوارع المحروسة، وأزقّتها، مستعيدة نهايات شبه مأساوية، لزعماء مصر الحديثة، في مرحلة ما بعد إنهاء العهد الملكي.. ليثور السؤال الضاحك على الألسنة: هل هي لعنة الثورة؟ أم أنها نقمة إنهاء فترة "ملكية" عادت في السنوات الأخيرة لتداعب أحلام البعض، في ظل وجود من يبكيها أو يتباكى عليها.! بداية ونهاية من أول رئيس جمهورية.. "المظلوم تاريخياً" اللواء محمد نجيب، قبل أن يُرد له اعتبار رمزي، بعد أكثر من عقدين على وفاته منسياً، إلا في خبر عابر في الصحف القومية، ومنح اسمه قلادة النيل، أرفع وسام مصري.. تكريماً لمن شبع موتاً، إلى فوبيا إشادة برئيس "مؤقت" غادر القصر مرفوع الرأس، بعد أن أدى دوراً وطنياً في مرحلة فارقة، وصعبة.. اسمه المستشار عدلي منصور، يسجل نفسه في التاريخ المصري، كأول رئيس يغادر منصبه، سليماً معافى.. ليس إلى قبرٍ بمراسم جنائزية، بالموت أو الاغتيال.. وليس أيضاً إلى السجن مغضوباً عليه، من شعبه.. هذه المرة إلى بيته، معززاً مكرماً، بل سمحت له الأقدارُ أن يوجه نصائح إلى خلفه المنتخب، ومشاركاً في حفل تنصيبه، ومسلما له سلطة إدارة البلاد. مأساة نجيب محمد نجيب (1901 1984) لواء الجيش الشهير، الذي تحمل أن يكون واجهة الضباط الأحرار، في حركتهم، ضد الملك فاروق، عام 1952م. وضع روحه على كفه، عندما اختاره ضباط برتب صغيرة، أرفعها رتبة بكباشي، التي تعادل "مقدم" هذه الأيام، وجد نفسه في فوهة مدفع الثورة، محمولاً على الأعناق، وسط جماهير تهتف باسمه، وكان خطأه الوحيد، انه صدق أنه صانع الثورة، فيما كان الضباط الصغار أنفسهم بقيادة جمال عبدالناصر، يعتقدون أنه يدرك أنه مجرد واجهة زجاجية، للإيحاء بقدرتهم على صناعة التغيير، فيما كان اللواء يرى أن لولاه هو لفشلت الثورة، ليكون صراع السلطة المرير. اختفى نجيب الذي أدى اليمين كأول رئيس للبلاد في 23 يونيو 1953، بعد أقل من ثلاث سنوات، وتحديداً عام 1956، منزوياً في بيت صغير قيد الإقامة الجبرية، وكعادة مصرية أصيلة منذ الفراعنة، تم محو اسمه تماماً من كتب تاريخ يكتبه المنتصرون فقط، كيفما شاءوا، بأي لغةٍ.. بأي حرفٍ.. بأي أبجدية، وليموت بعد أقل من 30 عاماً، منسياً كما عاش، ليصحو المصريون على خبر وفاته المقتضب، في 28 أغسطس 1984 ليتذكروا فجأة.. أنه كان لديهم رئيس.. أول رئيس في مرحلة ما بعد 23 يوليو 1952، وسبق أن أعاد إليه بعض اعتباره حياً الرئيس الراحل أنور السادات، ولكن.. بعد فوات الأوان.! بعد أن أصبح شيخاً تجاوز الثمانين، لم يُصدق جيرانه، أن هذا الطاعن في السن، يمشي على قدمين متهالكتين، في طريقه لشراء طبق من الفول ليقتات به، لدرجة أن ابنه.. ابن أول رئيس لمصر، كان يعمل سائقاً على سيارة تاكسي ليوفر لقمة عيشه.! ليضرب الجميع كفاً بكف.. وليعيد الجميع للأذهان كيف أكلت القطة أولادها دون شفقة.! ناصر.. الموت الغامض مساء 28 سبتمبر 1970، صدم المصريون بوفاة ثاني رئيس لهم.. جمال عبدالناصر، بشكل غامض، لا يزال المؤرخون يتضاربون، بين من يعتبره قضاءً وقدراً، وبين من لا يزال يشكك في أنه مؤامرة، دست السم لزعيمهم الذي ملأ الدنيا وقتها، وشغل العالم، بما له وما عليه. تولى السلطة من سنة 1956، إلى وفاته سنة 1970، عقب وداعه أمير الكويت وقتها في ختام قمة عربية استضافتها القاهرة، وشيعه 5 ملايين شخص، في مشهد تاريخي لم يتكرر. ناصر (1918 1970) كما أطلق عليه خصومه ومريدوه، مثل حالة استثنائية من التاريخ المصري، شديد الخصوصية في عالم شديد التصارع، ما بين تأييده للعروبة ومناهضته للاستعمار ودعم الثورات العربية في الجزائر، ليبيا، العراق واليمن، كان له دور رئيسي في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وحركة عدم الانحياز، مثلما كان أيضاً صاحب قرارات التحول في مصر، بقوانين الإصلاح الزراعي، والتأميم، وبناء السد العالي.. كان أيضاً مسؤولاً بشكل مباشر أو غير مباشر، عن نكسة يونيو 1967، والتي حلت ذكراها قبل يومين، لتكون ثاني أقسى هزيمة عربية، بعد حرب 1948 التي ضاعت فيها فلسطين التاريخية، ليكتمل الاحتلال. ربما غفر له محبوه، مسؤوليته التي أعلنها بنفسه عن الهزيمة في خطاب "التنحي" الشهير، ولكن خصومه لم ينسوا أن يتهموه بالديكتاتورية، والعنف وعدم الديموقراطية. نهاية السادات جاء محمد أنور السادات (1918 1981) ثالثاً، في ترتيب زعماء مصر، بشكل غير متوقع إلى السلطة.. في 1970، بدا على خطى سابقه، لكنه كان يضمر التخلص ممن اعتبرهم مراكز القوى، وبدأ حملته سريعاً لاعتقالهم فيما اعتبره "حركة تصحيح" وكان كل همه، أن يُغير الصورة النمطية عن نفسه. فالرجل الذي بدا يتهته قليلاً، وبلهجة شبه قروية، كان يرقص رقصة الثعلب مع الذئاب، لذا كان خارج كل التوقعات.. تخلص من رجال ناصر وحسه القديم، وناور العالم كله، بخوض حرب أكتوبر 1973، ليقوم بأكبر مناورة ربما كلفته حياته بعدها، إذ زار القدس في عام 1978، ووقع معاهدة سلام مع إسرائيل، بعدها بأقل من عام (1979) منهياً بذلك صراع بلاده معها، ليجد العرب أنفسهم فجأة بلا مصر التاريخية. وكأنه كان يدري بما يخبئه له القدر، عندما سأله صحفي أمريكي، عما يريد أن يُكتب على قبره بعد مماته، فقد قال وهو يكاد يدمع:"هنا رجل عاش من أجل السلام.. ومات من أجل الرخاء"، ليسقط بعدها بأقل من عامين مضرجاً في دمائه، في يوم احتفاله بنصر أكتوبر، بذات المنصة التي شيدها تكريماً لجنود الحرب وشهدائها، في مشهد «درامي» نقله التليفزيون على الهواء.. قتلته جماعات إسلامية متطرفة، سبق له أن أطلقها من قمقمها لمواجهة خصومه من الناصريين والشيوعيين، فدفع الثمن!. مبارك.. حكم القدر حسني مبارك (1928 .....) الرئيس الرابع للبلاد من 14 أكتوبر 1981، حتى التنحي في 11 فبراير 2011، لا يزال الرئيس الأكثر جدلاً طيلة 30 عاماً قضاها كأطول حاكم لمصر منذ عهد محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة. قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر الشهيرة، والذي كانت أقصى أمانيه، أن يختتم حياته سفيراً لبلاده في عاصمة أوروبية، كما اعترف هو بنفسه، وضعه القدر على سدة الحكم، متأثراً بسابقه السادات. لم يكن يدري أن نهايته ستكون على يد ثورة شعبية أطاحت به، منذ 25 يناير 2011، وحتى 11 فبراير، ولم يكن يتخيل أبداً، أن مصيره سيكون في قفص الاتهام، وعمره يقترب من الخامسة والثمانين.. وأخيراً بالقميص الأزرق بعدما حكم عليه بثلاث سنوات في قضية فساد. سيختلف المؤرخون كثيراً حول مبارك، خاصة بعد وصول البلاد في عهده لأسوأ مراحلها، ولكن هناك من يحسب له، أنه لم يفر كغيره (بن علي)، ولم يدخل بلده في دوامة حرب أهلية (القذافي).. وأنه كما قال علنا :"وُلد على هذه الأرض وسيموت ويُدفن فيها".. وقد كان. فالرجل الذي شوهد على الهواء، يرد على القاضي وهنا ينادي عليه كمتهم، مكتفياً بالقول :"أفندم" أظهر احتراماً كبيراً عرفه كثيرون مما نقموا عليه، خاصة بعدما رأوا ممارسات خلفه، محمد مرسي في المحكمة.. وربما كانت دموعه التي مسحها في مشهد محاكمته الأخيرة، جلبت إليه كثيراً من التعاطف، الذي فقده خلال ثلاثين عاماً من حكمه. مرسي.. الأهل والعشيرة كأول رئيس مدني منتخب، جاء الرئيس السابق، محمد مرسي، من عباءة جماعة الإخوان، التي صدر قرار قبل أشهر باعتبارها "إرهابية".. وخلال عام واحد فقط من حكم مرسي الذي جاء عقب انتخابات بدأ التشكيك في نتائجها، ذاقت مصر الأمرّين، واكتشفت أنها أمام حكم جماعة ومكتب إرشاد، وليست أمام رئيس لكل المصريين. فشل محمد مرسي (1951 .....) في أن يقنع مواطنيه، وبدا كما لو أنه يتلقى الأوامر من مكتب الإرشاد، والتنظيم الدولي، وكما لو كان جاء ليصفي خصومات ثأرية تاريخية، فقد دخل في معارك مع كل مؤسسات الدولة، وكان إعلانه الدستوري (2012) الذي حصن به قراراته، بداية المواجهة مع الجميع، ولم ينجح في استيعاب أحد، وبدا عاجزاً عن إدارة البلاد، لتشتعل الأوضاع بما هو أكثر من حقبة مبارك. وضعه قراره بالتخلص من قادة المجلس العسكري (المشير طنطاوي والفريق عنان) بعد تسلمه السلطة بأسابيع، موضع الشك والريبة، وحشرته قراراته بالاستعانة ب"الأهل والعشيرة" في خندق المواجهة مع غالبية الشعب والقوى المعارضة، ولأنه طبق حكمة القرود الثلاثة، فقد وجد نفسه وحيداً في معركة غير متكافئة، ظن فيها أن اعتماده على جماعته ستعصمه من نار الثورة. حسب مصريين كثر، فإن بداية السقوط لمرسي، كانت في مؤتمر نصرة سوريا، والذي سمح فيه لدعاة تكفيريين ووعيدهم بسحق الشعب والمعارضة، وكذا احتفالات اكتوبر التي وضع فيها قتلة السادات في الصفوف الأولى، إضافة لقراراته العشوائية بالعفو عن مجرمين وقتلة وتكفيريين.. أما خطيئته الكبرى، فكانت عدم قراءة الواقع على الأرض، وعدم قدرته على التعامل معه ولو بمحاولة احتواء الغضب.. فتكون نهايته، بعد ثورة شعبية صاخبة في 30 يونيو، استجاب لها الجيش في 3 يوليو، ليجد نفسه "معزولاً" وقيد التحفظ. لم يكتف مرسي بذلك، بل وقع في خطيئة تجييش جماعته وأهله، ضد شعبه، وهو ما جعل البلاد تدخل في دوامة عنف رهيبة، لا يزال هو نفسه قيد المحاكمة والحبس في جرائم خيانة كبرى وتخابر وقتل متظاهرين، ربما تصل عقوبتها للإعدام. مؤقت لكن محترم لم يكن يتوقع رئيس المحكمة الدستورية، المستشار عدلي منصور (1945 .....) الذي عينه الرئيس السابق محمد مرسي، قبلها بأيام، أنه سيكون رئيساً سادساً، ولو بصفة مؤقتة. أقسم اليمين في 4 يوليو 2013، بعد بيان الجيش والقوى المدنية والأزهر والكنيسة، ليجد نفسه في موقع صعب، كان عليه أن يحاول إدارة البلاد بحنكة القاضي، في مواجه الأقاويل قبل التحديات. سجل نفسه في التاريخ المصري، كأول رئيس يغادر منصبه، بعد أن يسلم السلطة لمن يخلفه، المشير عبد الفتاح السيسي، مع بعض النصائح، واستطاع أن يعيد إلى مقام الرئاسة المصرية، هيبتها واحترامها، حتى في مواعيد خطبها وكلماتها التي جاءت في ذات التوقيت المعلن عنه، دون إطالة، ودون إسفاف.. وقبل هذا وذاك، رفض تقاضي أي مرتب أو مخصص مالي عن أدائه منصب رئيس الجمهورية، وقنع براتبه القضائي فقط، وسيذكر له التاريخ، أنه أول من وضع تقنيناً لمخصصات رئيس الجمهورية، وحددها ب42 ألف جنيه فقط شاملة كل الامتيازات والتخصصات. رئيس منتخب وأخيراً وليس آخراً.. غداً يدخل الرئيس الجديد المنتخب، عبدالفتاح السيسي، من ذات الباب للحكم، رئيساً سابعاً للبلاد، ولكن هذه المرة بأغلبية كاسحة، في انتخابات مثيرة.. ليضعه الشعب على ذات الكرسي الذي تلاحق عليه سابقوه.. منهم من تعلم الدرس، ومنهم من ينتظر!. يدخل السيسي إلى قصر الحكم، محمولاً على الأعناق بنسبة تقترب من 97 بالمائة من أصوات الناخبين، الذين رأوا فيه أملاً بالخلاص من كل الشرور والإحباطات.. لتستمر لعبة الحكم في أرض المحروسة، دون أن يدري أحد ماذا يُقدر الله غداً. عبدالناصر و السادات و مبارك و مرسي و منصور