هل هي مجرد مصادفة تاريخية، أم أنه كُتب على كل من اعتلى كرسي الحكم في «أرض الكنانة» - منذ مطلع القرن التاسع عشر تحديداً - أن تكون نهايته حزينة، فيغادر مسرح الحكم إما معزولاً إما منفياً إما مُغتالاً إما متأثراً بمرض مفاجئ وهو لايزال في الأربعينات أو الخمسينات من عمره، أو حتى مخلوعاً ومُحالاً إلى المحاكمة مثلما حصل للرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك؟ وهل يمكننا القول إن «لعنة الكرسي» تطارد حكام مصر منذ ذلك الحين، مثلما أن هناك ما يُعرف ب «لعنة الفراعنة»؟ أياً يكن الأمر، فإن الشواهد التاريخية تشير إلى أن هناك ثمة نهايات حزينة دأبت على مطاردة معظم من حكموا مصر خلال فترة العصر الحديث، وهي الفترة التي يؤرخ لها مع بداية حكم محمد علي باشا الكبير في مطلع القرن التاسع عشر، وذلك بعد أن نجح في أن ينفرد بحكم «المحروسة» إثر تخلصه من المماليك في المذبحة الشهيرة التي دبرها لهم آنذاك. فابتداء بالنهاية التي وصل إليها محمد علي باشا الكبير ووصولاً إلى المصير الذي آل إليه محمد حسني مبارك، نستعرض في ما يلي تاريخ «النهايات الحزينة» لمن تولوا حكم مصر خلال العصر الحديث: محمد علي باشا الكبير (حكم مصر من 1805 إلى 1848): استفرد بحكم مصر بطريقة دموية بعد أن قضى على المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة في العام 1811. لكن حياته انتهت بشكل مأسوي بعد أن أصيب في أواخر حياته بمرض عقلي جعله عاجزاً عن مواصلة الحكم، فصدر قرار بعزله وتعيين ابنه الأكبر إبراهيم باشا والياً على مصر خلفاً له، بعد أن حكم مصر لمدة 43 عاماً. • إبراهيم باشا: لم يهنأ بحكم مصر سوى لمدة سبعة أشهر ونصف الشهر فقط بعد وفاة والده محمد علي باشا، ثم توفي فجأة متأثراً بمرض غامض في العام 1848 وهو لم يتجاوز الستين من عمره. • الخديوي عباس حلمي باشا الأول (حكم مصر من 1849 إلى 1854): عاش عيشة بذخ وأهمل رعاية شؤون الدولة، وشهد عهده اضمحلالاً شديداً في شتى المجالات. استمر في حكمه لسنوات قليلة ثم أغتيل في قصره في بنها في العام 1854 بعد أن حكم مصر لمدة 5 سنوات. • الخديوي سعيد باشا (حكم مصر من 1854 إلى 1863): أمر خلال فترة حكمه بإغلاق المدارس العليا، قائلاً قولته الشهيرة «أمة جاهلة أسلس قيادة من أمة متعلمة»، لكن بعد مرور 9 سنوات على توليه الحكم توفي بشكل مفاجئ عن عمر ناهز الأربعين عاماً. • الخديوي إسماعيل باشا (حكم مصر من 1863 إلى 1879) (حكم 16 سنة): على الرغم من أن مصر شهدت ازدهاراً ملموساً في عهده، فإن نهايته كانت مأسوية إذ إن الانكليز عزلوه عن العرش بحجة تضخم الديون، فاضطر إلى السفر إلى نابولي الإيطالية التي اختارها لتكون منفى موقتاً له ثم انتقل بعد ذلك إلى الأستانة ومنها إلى اسطنبول حيث وافته المنية وحيداً في قصر أميرجان الذي كان محبسه في المنفى. • الخديوي توفيق باشا (حكم مصر من 1879 إلى 1892): تولى حكم مصر إثر خلع والده الخديوي إسماعيل من الحكم، فقام باقصاء جميع رجال أبيه بعد جلوسه على العرش. وعلى غرار الخديوي سعيد باشا، فارق الخديوي توفيق الحياة بشكل مفاجئ في العام 1892 وكان عمره آنذاك 40 عاماً فقط. الملك فاروق الأول (حكم مصر من 1936 إلى 1952): وافق مضطراً على التنازل عن عرش مصر لابنه الرضيع فؤاد الثاني تحت ضغط ثورة 26 يوليو 1952 ثم غادر مصر ليعيش مكتئباً وحزيناً في المنفى إلى أن توفي في ظروف غريبة في العام 1956. • اللواء محمد نجيب (حكم مصر من يونيو 1953 إلى نوفمبر 1954): كان أول رئيس لمصر في عهدها الجمهوري، لم يستمر في سدة الحكم سوى فترة وجيزة ثم عزله مجلس قيادة الثورة بشكل غامض ومفاجئ ووضعه تحت الإقامة الجبرية حيث بقي معزولاً تماماً عن الحياة السياسية لمدة 30 عاماً حتى وفاته في عزلته الإجبارية بتاريخ 28 أغسطس 1984 دون أن يحتفي أحد بتاريخه كقائد لثورة يوليو. • جمال عبدالناصر (حكم مصر من 1954 إلى 1970): بعد رحلة سياسية نجح خلالها في أن يفرض نفسه زعيماً للأمة العربية، جاءت نهاية جمال عبدالناصر حزينة ومفاجئة إذ إنه كان منهمكاً في بذل جهود وساطة لإيقاف أحداث أيلول الأسود بالأردن في العام 1970. ولدى عودته من مطار القاهرة بعد توديع أمير الكويت آنذاك الشيخ صباح السالم الصباح، داهمت عبدالناصر أزمة قلبية مباغتة أدت إلى وفاته عن عمر يناهز 52 عاماً فقط، وكانت وفاته تلك بمثابة صدمة مفعجة لكل العرب وكل الشعوب الطامحة إلى التحرر آنذاك. • محمد أنور السادات (حكم مصر من 1970 إلى 1981): كانت نهاية حياة السادات دموية ومدوية، إذ إنه تم اغتياله على رؤوس الأشهاد، بينما كان يشهد عرضاً عسكرياً أقيم بتاريخ 1981/10/6 للاحتفال بالذكرى السنوية الثامنة لحرب أكتوبر، وهي الحرب التي كان خطط لها وقادها بهدف تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي. • محمد حسني مبارك (حكم مصر من 1981 إلى 2011): اضطر إلى التخلي عن كرسي الحكم (ويقال إنه «أُرغم على التنحي») تحت ضغط الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي انطلقت في 25 يناير 2011 ثم تواصلت وتفاقمت حتى تحقق لها مبتغاها في 11 فبراير 2011، عندما اعلن نائب رئيس الجمهورية اللواء عمر سليمان تخلي مبارك عن منصب الرئيس ومازال مبارك حتى الآن يخضع إلى محاكمة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ حكام مصر، وهي المحاكمة التي يواجه فيها تهماً تتعلق بقتل المتظاهرين، بالإضافة إلى تهم تتعلق بالفساد وإهدار المال العام. وفي ضوء هذه النهايات الدرامية التي لازمت معظم من اعتلوا سدة حكم مصر، هل سيحرص حاكم «المحروسة» المقبل على أن تكون نهايته مختلفة أم انها ستكون على غرار نهايات من سبقوه؟!