تعتبر آية الدين أطول آية في القرآن الكريم، وهي أساس نظام التوثيق في الإسلام، وفيها أمر الحق سبحانه وتعالى، عباده بتوثيق الديون بالكتابة في قوله -عز وجل-: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» (البقرة:281). فالله -عز وجل- أمر بتوثيق العقود، التي تقع بين الناس؛ حسماً للنزاع، وسداً لباب الخصام، وحفظاً للحقوق، وهو أمر إرشاد وتوجيه لما فيه المصلحة، وليس أمر إيجاب وإلزام، وفق ما عليه جمهور الفقهاء. وفي تعاملاتنا اليومية، لا يكاد عالم دين ولا رجل قانون يتحدث عن العقود؛ إلا نصح وأرشد وحض على توثيق العقود، وفي المحاكم أول ما تسأل عنه أمام القضاء، الوثائق التي تثبت حقك. لكن ما هي وسائل توثيق العقود، وما بدائلها إذا تعذر عليك احضارها، هذا ما أحاول أن أجيب عليه في هذا المقال. وبالطبع، فإن الوسيلة الوحيدة لتوثيق العقود هو توثيقها في الجهة المختصة، وهي كتابات العدل، إلا أن المعمول به لدى كتابات العدل هو قبول توثيق أنواع محدودة من العقود والإقرارات فقط، مع أن نظام القضاء نص على اختصاص كتابات العدل بتوثيق العقود والإقرارات، إلا أنه لم يفعل حتى الآن، وقد يستمر العمل على هذا النحو حتى صدور نظام للتوثيق. وإلى ذلك الحين، تظل الوثائق العرفية هي الحل الممكن لتوثيق عقود البيع والايجار والمقاولات والاستيراد وغيرها من أنواع العقود للأعمال والأنشطة الاقتصادية، والمقصود بالوثائق العرفية هي المستندات التي يحررها المتعاقدان دون أن يصادق عليها من له حق التوثيق. ولهذا المستند حجة لدى الجهة القضائية متى ثبت صدوره ممن نسب له، ويكون حجة على طرفيه بكافة بياناته، وعلى المرء يدرك أن توثيق العقود بالكتابة لا يتنافى مع ثقة الطرفين ببعضهما للقرابة أو الصداقة أو أي سبب كان، فالنفوس والذمم لا تبقى على ما هي عليه من مصداقية وأمانة كما أن الشهود يعتريهم ما يعتري البشر من موت ونسيان وغيرها من العوارض المؤثرة. وكتابة العقود وتوثيقها؛ تمنح العقد قيمة قانونية في حال النزاع، وتصبح الشروط المكتوبة هي السند القانوني للفصل في النزاع عند القاضي. كما تمنح الكتابة الطرفين مرجعاً عند تنفيذ العقد، لكي يتم التنفيذ ضمن الشروط المتفق عليها، وفي حالة مخالفة أحد الطرفين لتلك الشروط يصبح لدى الطرف الآخر الحق في المطالبة بتطبيق شروط العقد بحذافيرها، مع العلم بأن هذا الخيار غير متاح في العقود الشفهية لصعوبة إثبات ما تم الاتفاق عليه سابقاً. وليتسنى للأطراف الاستفادة من العقود العرفية المكتوبة؛ ينبغي التنبه لقواعد الاحتجاج بها؛ ليكون الاستعمال بعد ذلك صحيحاً، وأجملها فيما يلي: 1. يجب التثبت من محتوى المستندات بأن تكون بياناتها ومحتوياتها مكتوبة كتابة صحيحة توافق الواقع، ومؤرخة، وأن تكون التواقيع صحيحة، وصادرة ممن له حق التوقيع، وألا يحتوى المستند على أي شطب أو تعديل إلا إذا كان المتعاقدان وقعا التعديل ذاته. 2. الاحتفاظ بأصل المستند، حيث إنه من المقرر قضاء أنه لا حجية لصور الأوراق العرفية، ولا قيمة لها في الإثبات؛ ما لم يقبلها خصم من تمسك بها صراحة أو ضمنا، وأنه لا حجية لصور الأوراق العرفية ولا قيمة لها في الإثبات إلا بقدر ما تهدي إلى الأصل، فيرجع إليه إذا كان موجودا، أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بها، إذ هي لا تحمل توقيع من صدرت عنه، كما لم تصدر عن جهة مختصة يمكن الرجوع إليها لمطابقة الصورة مع الأصل المحفوظ لديها. 3. لا يقبل التوثيق بمحرر عرفي؛ إذا كان النظام يشترط التوثيق لدى الجهة المختصة، مثل: عقود بيع العقارات، أو عقود الشركات، أو يتطلب النظام وجود مستند رسمي مثل: التصرفات التي تجرى على العلامات التجارية. 4. أحرص على استخدام العقود النموذجية، كلما أمكن ذلك؛ لأنها تعد من جهات محايدة، تراعي حقوق الأطراف المتعاقدة كافة، وتحرص على تحقيق المصلحة المشتركة للمتعاقدين. 5. تجنب إدخال أية تغييرات في الوثائق العرفية؛ حتى لا تكون عرضة للمساءلة القانونية، لأن أي تغير في هذه المستندات يؤدي لضياع الحقوق، ويجرّمه النظام الجزائي لجرائم التزوير ويعاقب عليه بالسجن والغرامة المالية. مستشار قانوني [email protected]