تحتل الكتابة المرتبة الأولى من بين طرق الإثبات في الأنظمة العدلية، وهي الأصل في إثبات التصرفات والوقائع القانونية، ويرجع الفضل في ذلك إلي مزايا الكتابة المتعددة مثل امكانية بقائها واستمرارها دون ارتباط بكاتبها أو موقعها مما أهّلها لتتبوأ المكانة الرئيسة من بين أدلة الإثبات خاصة بعد شيوعها وسهولة إعدادها، لتأخذ بذلك حجيتها طالما لم ينكرها الخصم أو يدَّعِ تزويرها، ويقوم دليل مشروعيتها من القرآن الكريم في قوله تعالى (يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه). وإذا كان الأصل هو رضائية التصرفات فتكون الكتابة بالنسبة لها للإثبات، وقد يستلزم النظام بأن يرد التصرف مكتوباً وتكون الكتابة هنا لازمة لانعقاد التصرف لا لإثباته، سواء كانت رسمية مثل عقد الهبة العقارية أوعرفية كعقد الشركة، والكتابة في هذه الصور للانعقاد وليست للإثبات فهي تندمج في التصرف وتصبح ركناً من أركانه، وتكون الكتابة أيضا لازمة استكمالاً لشكل طلبه النظام أو الخصوم مثل شهر التصرفات القانونية التي يتطلب النظام الإعلان عنها سواء بالتسجيل للتصرفات المتعلقة بحق من الحقوق العينية الأصلية العقارية مثل بيع العقار، أو القيد للتصرفات المتعلقة بحق من الحقوق العينية التبعية العقارية مثل الرهن، وإذا تطلب النظام الكتابة في تصرف من التصرفات ولم يصرح بما أراده من الكتابة هل هي للانعقاد أم للإثبات فتكون الكتابة للإثبات وليست للانعقاد وذلك إعمالاً للأصل وهو رضائية التصرفات والاستثناء هو شكليتها. يقصد بالدليل الكتابي المحرر الذي يثبت التصرفات سواء كانت ورقة رسمية أو عادية موقعاً عليها، ولا يدخل في ذلك الرسائل والأوراق والسندات والمستندات غير االموقعة ممن نسبت إليه ولا تعد من الأدلة الكاملة ويجوز إثبات ما يخالف ما اشتملت عليه هذه الأوراق بالطرق كافة، والورقة الرسمية هي تلك الورقة التى يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه، ولا يقبل الطعن في الأوراق الرسمية اذا توفرت فيها الشروط السابقة الا بادعاء التزوير مالم يكن ماهو مذكور فيها مخالفا للشرع، والورقة العادية هي التي تكون موقعة بامضاء من صدرت منه أو ختمه أو بصمته أو وكيله في حدود وكالته. ونخلص إلى أنه متى وجد التوقيع صحيحا كان للمستند حجيته في الاثبات في الدعوى، إلا اذا أنكر من نسبت اليه الورقة سواء في مضمونها أو توقيعه عليها فللمحكمة أن تتخذ الاجراءات اللازمة للتأكد من صحتها أو احالتها لإدارة الادلة الجنائية المختصة للتاكد من تزويرها من عدمه، ومن جهة أخرى يجوز لمن يخشى مستقبلا الاحتجاج عليه بورقة مزورة بيد خصمه أن يتقدم للمحكمة المختصة بطلب الحكم بتزويرها، وبالجملة نعتقد أنه يجب العناية بتوثيق واثبات التصرفات القانونية وعدم التساهل في التوقيع المسبق على أوراق بيضاء أو مستندات دون معرفة محتوياتها وعدم الاعتماد على الثقة في توثيق الحقوق بشكل عام.