أدانت الحكومة الليبية اللجوء للسلاح لحل المشاكل السياسية، ودعت الجميع للعمل على بناء دولة القانون والمؤسسات، وذلك بالتزامن مع اندلاع اشتباكات صباح أمس في بنغازي بين قوات الجيش والعناصر الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، فيما شهدت العاصمة طرابلس أمس، هدوءاً بعد ليل عنيف، وكلف الأمين العام للجامعة، الدكتور ناصر القدوة، لتمثيله في القيام بإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع مختلف الأطراف الليبية والعربية والإقليمية والدولية المعنية بالشأن الليبي، و بدأت الأزمة تؤرق دول الجوار، التي تتخوف من تعرضها لهجمات جراء تهريب الأسلحة، وتسلل الإرهابيين إليها. وقف الاقتتال وفي التفاصيل، دعت الحكومة المؤقتة الجميع بالتوقف فوراً عن استخدام الترسانة العسكرية التي يمتلكها الشعب الليبي للاقتتال، والعمل تحت غطاء الشرعية، واتباع نهج «التعقل والحوار والمصالحة الوطنية والتمسك بأهداف ثورة 17 فبراير» وإقامة دولة المؤسسات. ونبهت الحكومة إلى أن تواصل الاقتتال يعرقل المرافق الحيوية للدولة، داعية للتعبير عن الرأي السياسي بالطرق الديمقراطية. وقالت تقارير صحفية رسمية في ليبيا: إن الهدوء قد عاد إلى شوارع العاصمة طرابلس، بعد اشتباكات مسلحة خطيرة شهدتها المدينة، ونفى رئيس المؤتمر الوطني تعرضه للاختطاف على يد مسلحين هاجموا مقر المؤتمر، ونفت الحكومة ارتباط المهاجمين بالأحداث في الشرق، بينما ربط أحد أعضاء المجلس مباشرة بين الحدثين. ووصفت وكالة الأنباء الليبية المواجهات التي عاشتها المدينة ب «الخطيرة والمؤسفة» وقد جاءت عقب اقتحام مقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، مضيفاً أن الحكومة المؤقتة أعلنت في بيان لها عن أسفها لمقتل اثنين من المواطنين وإصابة 55 جراء المواجهات. واستنكرت الحكومة ما قالت: إنه «تعبير عن الرأي السياسي باستخدام القوة المسلحة»، ودعت إلى «التوقف فوراً عن استخدام الترسانة العسكرية التي يمتلكها الشعب الليبي للاقتتال تعبيراً عن الرأي السياسي» مضيفة أن ما جرى في طرابلس «لا يحمل أي علامات حقيقية تربطه بما وقع في مدينة بنغازي من اقتتال الجمعة الماضية، راح ضحيته العشرات». ولكن عضو المؤتمر الوطني العام، جلال عمر حسن، كان له رأي مخالف، إذ قال: إن المؤتمر كان بصدد عرض تشكيلة الحكومة من قبل رئيس الحكومة الجديد، أحمد معيتيق، واصفاً من اقتحموا مقر المؤتمر بأنهم «على شاكلة الانقلابيين الذين تحركوا في مدينة بنغازي، ومن نفس التوجه ويريدون إثارة القلقلة والفوضى واعتبرهم خارجين عن الشرعية المتمثلة في المؤتمر والحكومة وفي الدولة بدخولهم إلى مقار اللجان وعدم احترامهم لهيبة الدولة ولا سلطة الدولة». أما رئيس المؤتمر الوطني العام، نوري أبو سهمين، فقد نفى شائعات حول اختطافه على يد مسلحين، قائلا: إنه موجود في مكان آمن، ويقوم بتسيير الاعمال بالتنسيق الكامل مع نائبيه ورئيس الحكومة ومدير المخابرات العامة. وكانت مدينة بنغازي، ثاني أكبر مدن البلاد، شهدت مواجهات دامية الجمعة، أدت إلى مقتل 70 شخصاً وجرح العشرات، بعدما أعلن اللواء خليفة حفتر، عن قيام قوات تابعة له بالتدخل في المدينة لمواجهة ما وصفه ب «الإرهاب»، وتبع ذلك مواجهات قاسية مع مجموعات محلية مسلحة، في حين اتهمت الحكومة حفتر وقواته بالخروج عن القانون. قتيلان وجرحى من جهتها، أعلنت وزارة الصحة الليبية، عن سقوط قتيلين و66 جريحاً، في أعمال العنف التي شهدتها العاصمة الليبية، طرابلس . وعلى صعيد حركة الملاحة الجوية، أشار تقرير الوكالة إلى أن الملاحة الجوية تعمل بصورة طبيعية، ورحلات الطيران الداخلية والخارجية المبرمجة تسير وفق ما هو مخطط لها، ولم يحدث فيها تغيير . وفي سياق متصل، نقلت صحيفة «الخبر»الجزائرية عن مصدر أمني أن مصالح الأمن أكدت مقتل جزائريين اثنين من أعضاء جماعة أنصار الشريعة في معارك بنغازي، وهما كامل نوار وأبو عثمان الجزائري، إضافة إلى إصابة جزائري ثالث بجروج بليغة هو أبو الفتح الجزائري. القدوة مبعوثا خاصا من جهته، أعلن الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أنه تم تكليف الدكتور ناصر القدوة، وزير خارجية فلسطين الأسبق، بتمثيله في القيام بإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع مختلف الأطراف الليبية والعربية والإقليمية والدولية المعنية بالشأن الليبي، بهدف وضع إستراتيجية عربية شاملة لمساعدة الأشقاء الليبيين على تحقيق المصالحة الوطنية الليبية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بما يحقق تطلعات الشعب الليبي بجميع مكوناته وأطيافه. وفي هذا الإطار نوه العربى باجتماعه أمس الأول، مع محمد عبد العزيز وزير الخارجية الليبي، والذى أعلن ترحيبه بتكليف القدوة بهذه المهمة، مؤكداً استعداد الحكومة الليبية للتعاون التام من أجل تسهيل ونجاح هذه المهمة. كما رحّب باعتزام د. القدوة زيارة ليبيا خلال الأيام القليلة القادمة. تجدر الإشارة إلى أن القدوة قام خلال الأسابيع الماضية بإجراء المباحثات والمشاورات اللازمة، شملت نبيل فهمي وزير الخارجية المصرى، وعدداً من سفراء الدول العربية والأجنبية المهتمة بالشأن الليبي والمعتمدين في القاهرة، وخاصةً سفراء دول الجوار الليبي، وذلك لتبادل وجهات النظر والاطلاع على الرؤى المختلفة لبلورة محاور التحرك العربي بشأن دعم ليبيا في هذه المرحلة الهامة التي تمر بها. وذكر مصدر بالامانة العامة للجامعة العربية، أن القدوة سيجرى خلال زيارته المرتقبة إلى طرابلس سلسلة من المباحثات واللقاءات مع المسئولين الليبيين ومختلف الأطراف الوطنية الليبية، بالإضافة إلى ممثلي المجتمع الدولي في ليبيا. التمسك بالعملية السياسية وفي سياق الازمة، دعا الاتحاد الأوروبي أمس، الأطراف الليبية كافة، إلى نبذ العنف والاحتكام للوسائل السياسية والحوار والتمسك بحسن سير العملية السياسية. وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي مايكل مان: إن الاتحاد يعرب عن بالغ القلق تجاه تدهور الوضعين الأمني والسياسي في ليبيا، ويعرب عن أسفه لزهق الأرواح في بنغازي وطرابلس. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي، ويدعو الأطراف الليبية كافة للبحث عن توافق فيما بينها لضمان نجاح العملية الانتقالية. أزمة مؤرقة وبدأت الأزمة الليبية تؤرق دول الجوار، حيث تتخوف هذه الدول من تعرضها لهجمات جراء تهريب الأسلحة، وتسلل الإرهابيين إليها. فالجزائر أعلنت حالة الاستنفار القصوى على الحدود مع ليبيا، كما أغلقت سفارتها في طرابلس، وأجلت سفيرها ودبلوماسييها منها. وتتخوف الجزائر من تأزم الوضع الأمني في ليبيا بعد دعوة تنظيم أنصار الشريعة، يوم الجمعة، في مدينة درنة إلى النفير العام ومساعدة التنظيم. وأشار مصدر أمني جزائري إلى أنه من المنتظر أن يتم إعلان الحدود الليبية الجزائرية منطقة عسكرية في إطار تشديد الرقابة. ولابد هنا من التذكير بأزمة الرهائن في المركب الغازي في «إن أمناس» في يناير 2013 الذي استهدف موقعاً قريباً جداً من الحدود الليبية. تونس بدورها تسعى لتجنب الانعكاسات السلبية للأزمة الليبية، فهي تخشى أيضاً من عودة متطرفين تونسيين، يقال: إنهم تلقوا تدريبات في ليبيا، إضافة إلى تخوفها من تدفق الأسلحة من ليبيا إلى تونس، والتي عززت القدرات العسكرية لجماعة أنصار الشريعة التونسية. كما تخشى تونس من تدفق لاجئين إضافيين إلى أراضيها، كما حصل عند بداية الثورة الليبية. وبسبب تواجد أعداد كبيرة من الليبيين بشكل دائم في تونس، فهي تتخوف من احتمال انتقال الخلافات بينهم إلى أراضيها. أما مصر فهي تعاني كذلك من الأسلحة المهربة، حيث وصلت سابقاً أسلحة متقدمة كانت تُستخدم في معسكر جنوب ليبيا إلى يد جماعات مسلحة في مصر، كما يدور الحديث عن وجود عناصر مصرية متطرفة داخل ليبيا تلقت تدريبات هناك، وتتخوف السلطات المصرية من عودتها إلى مصر إذا حققت قوات حفتر تقدماً ميدانياً، وهذا التخوف تشاركها فيه أيضاً تونسوالجزائر.