مازلتُ أتذكّر أثناء طفولتي حين كنّا نتسوّق مع والدي من سوبرماركت صغير، بالقرب من أحد الفنادق في أوروبا، حين نهرتني عاملة الكاشير لأنني أخذتُ كيساً بلاستيكياً إضافياً لأساعد والدي على حمل الأغراض، وبعدها بسنتين حين زرنا ذات المدينة تم فرض الرسوم على الأكياس البلاستيكية للدرجة التي أجبرت جميع المتسوّقين على شراء شنطة للتبضّع لكي يستخدموها في كل مرّة ويعودوا بها إلى منازلهم. وقد كنتُ أظن بأن الأمر يتعلّق بالقيمة المادية، وأن أكياس البلاستيك لدينا في السعودية مجانية.. ويا حظنّا ماعندنا مشاكل زيّهم، وأن الأوربيين مساكين.. حتى كيس البلاستيك عندهم بفلوس!!. إلى أن تعرفتُ على مفهومين عالميين، هما: «إعادة التدوير»، و«إعادة الاستخدام » التي نخلطُ بينهما كثيراً، وكذلك وجدتُ مايعرف ب«أصدقاء البيئة» والمحاربين من أجلها، كما تابعتُ حملات شرسة ضدّ هذه الأكياس النحيسة لما لها سلبيات عدّة كونها مصنوعة من مركبات غير قابلة للتحلّل، فهي تتراكم مع الزمن فوق بعضها البعض ولا تتحلّل لسنواتٍ طويلةٍ، كما أنها تطير مع الرياح بسبب خفّتها إلى مناطق بعيدة، بحيثُ تعلق بالأشجار، وتتسبّب بأذىً واضح للحياة الفطرية في البرّ والبحر عن طريق أكل الأكياس بشكل مباشر، أو أنها تلتفّ حول الطيور والأسماك وتنحبس فيها وتشلّ حركتها. بالإضافة إلى تعطيلها لمحركات القوارب والسفن، وتشويه المنظر الجمالي للمدن، هذا إن كان يهمّنا أصلاً المحافظة على مفهوم الجَمال. قبل أيام قرأتُ عن تصريح أمين عام أمانة الشرقية المهندس فهد الجبير حول قرب البدء في إعادة تدوير مخلّفات المباني والمنازل، ورغم أنها خطوة متأخرة جداً إلا أننا سنتفاءل بقرب حدوثها أخيراً، خاصة حين قدّرت دراسة حديثة أعدّتها دار استشارات خليجية حجم النفايات الصلبة في المدن الخليجية بنحو 90 مليون طن سنويًا، ، وتشكّل حصّة السعودية وحدها منها حوالي 65٪، وتتمثل مشكلتنا باختصار في أن النفايات البلدية الصلبة يتم التخلّص منها في مدافن أو محارق مُخصّصة لهذا الغرض، مما يشكّل هدرًا لموارد يمكن إعادة تدويرها أو استغلال مخزونها من الطاقة. ورغم كلّ الدراسات المخيفة التي ظهرت مؤخراً إلا أن أصغر البقّالات مازالت تتنافس على منحنا أكبر عدد من الأكياس البلاستيكية المجانية، ترويجاً لشعار واسم المحلّ المكتوب على كل كيس، ومازلنا نرى بقايا تلك الأكياس عالقة على الشواطئ والأشجار والطرقات، وحتى الحدائق النادرة التي تزيّن مدينتنا. ومازلتُ أذكر عاملة الكاشير التي علّمتني أول درس حول البيئة التي لم أكنّ لها ذات الاحترام. hildaismail@ تويتر