أحيانًا نسمع من يردد مصطلح عنواننا هذا في مجالسنا تارة أخرى نقرأ عنه العديد من المقالات في صحفنا، فهل يا ترى ان كل فعل غير محبب الى النفس هو فعل غير حضاري؟ هذا التساؤل يقودنا الى ما كتبت الاسبوع الماضي عن الذوق العام، حيث إن كليهما مترابطان بطريقة أو بأخرى، لكن المظهر الحضاري هو أعم وأشمل ويمكن أن يُعرف بأنه مجموعة من الافعال التي يُراعى فيها حقوق الآخرين ومشاعرهم وهي صفات تنم عن مبادئ وخلق رفيع ولا تخدش الذوق العام. قبل أن أسترسل في موضوع المقال دعوني استعرض رسالة قارئ كريم على قدر عالٍ من الثقافة والاطلاع وعاش سنين طويلة في بلدان نسميها مُتحضرة وعلى اتصال مستمر بشعوب العالم نظرًا لطبيعة عمله، هذا القارئ الكريم أرسل لي رسالة فيها من الوجاهة ما جعلني أشرككم معي في تأملها، يقول: ما كتبت عن الذوق العام هو بحق موضوع رائع ومقال ممتاز يلامس الحياة اليومية للمجتمعات وبصورة أقوى لمجتمعنا لكن يحتاج الى الكثير من الإسهاب والشرح والتفصيل للسلوكيات الخاطئة مع إعطاء الحلول البديلة، وإن كنت أرى أن بعض تلك الممارسات يجب ان يخضع لتشريعات ضمن قانون يعاقب فيه الخارج على القانون، ويتبقى الكثير تحت مظلة الذوق لو سألتني ماذا تتمنى لمجتمعك في قادم الايام لقلت لك وبلا تردد: أنشد مجتمعا يرتقي لأعلى المستويات في تطبيق الممارسات المتصلة بالذوق العام العام الذي نأمل ان تتم معالجته من خلال التوعية والذي يأتي مقالك ضمن تلك الحملة المباركة. وإن كنت لا أحبذ إقحام الدين أيًّا كان في العديد من المواضيع الاجتماعية، ولكي لا يتم ربط هذا الدين العظيم بممارساتنا الخاطئة، إلا أني أدرك أنه في كثير من الأحيان نجد ذلك ضرورة في مجتمع كمجتمعنا. كمثال بسيط لو تحدثت عن النظافة لوجدت من يجادلك بأننا نتفوق على كافة البشر من غير المسلمين في هذا الجانب؛ لأننا نتوضأ خمس مرات في اليوم، لكن للأسف تجد دورات المياه في مساجدنا وفي كثير من انحاء عالمنا الاسلامي بعيدة كل البعد عن مواصفات النظافة مقارنة بدورات مياه الكافتريات في بلاد غير اسلامية. ناهيك عن امثلة اخرى تخدش الذوق العام مثل تكدس السيارات بشكل قبيح وأحيانًا كثيرة عائق لحركة المرور امام المسجد. ويضيف: حينما نتحدث عن الذوق العام فنحن نناقش موضوعًا إنسانيًا يمس جوانب كثيرة في حياتنا اليومية، ويرتبط بشكل مباشر بالتربية، لكن الفرق بين المجتمعات المتقدمة في هذا المجال ونظيراتها المتخلفة يكمن في جزئيتين؛ الأولى: القانون الصريح المطبق بصرامة والذي هو نتاج حراك اجتماعي وثقافي على مر العصور، ثانيًا: النهج التربوي الذي يركز على ربط المواطنة الصالحة بتلك الممارسات المتصلة بالذوق العام، وليس بالولاء لتيار فكري او ديني معين. ويضيف قائلًا: الحديث في هذا الشأن يطول كثيرًا ورغم جزمي بعدم وجود اختلاف في وجهات النظر بين أفراد المجتمع على نبذ العديد ان لم يكن جميع تلك الممارسات المنافية للذوق العام الا اني أرى ان الحل صعب جدًا، فلو أخذنا جانبًا واحدًا فقط لتوضيح مدى الصعوبة وهو علاقة التربية الصحيحة للأبناء بالذوق العام لوجدنا أن هناك صعوبة كبيرة في ربط الموضوع بالتربية؛ فالمجتمع حساس من هذه الناحية، ومن اصعب الأشياء ان تُنبه أبًّا بأنه لا يربي أبناءه بالطريقة الصحيحة عندها قد تؤخذ بشكل شخصي، وقد ينظر لها الأب على أنها إهانة كبيرة لشخصه، بينما الواقع يقول: إن تربيته لأبنائه لها دور كبير في مراعاة أبنائه للذوق العام، هنا ومن هذا المنطلق نستطيع استخدام الدين كوسيلة ومدخل لإيصال الرسالة لهذا الوالد ولغيره من الآباء؛ لأن ما أراه حاليًا من ممارسات سلوكية لشبابنا -لا يراعون فيها الذوق العام- تنذرُ بخطرٍ، ولو سألتني ماذا تتمنى لمجتمعك في قادم الايام؟ لقلت لك وبلا تردد: أنشد مجتمعًا يرتقي لأعلى المستويات في تطبيق الممارسات المتصلة بالذوق العام؛ لأنني أؤمن بعد إيماني بالله بأن هناك علاقة طردية بين درجة تطبيق تلك الممارسات ودرجة نهضة وتطور المجتمع. انتهت رسالة صاحبي التي فيها العديد من الجوانب التي تحتاج إلى تأمل من قبل الباحثين والمنظرين والعاملين في مجال الرفع من مستوى الذوق العام في مجتمعنا ولم تترك لي حيزًا لأتكلم عن المظاهر غير الحضارية والتي هي أعم وأشمل من عدم مراعاة الذوق العام بل تمس مقومات حضارة أي مجتمع لذا قبل ان اختم مقالي هذا، اترككم لتقرأوا ما تنبأ به العلامة بديع الزمان «سعيد النورسي» عندما قال: «سيكون زمانٌ يُخفي الضدُّ ضدَّه، وإذا باللفظ ضد المعنى في لغة السياسة، وإذا بالظلم يلبس قلنسوة العدالة، وإذا بالخيانة ترتدي رداء الحمية بثمن زهيد». تويتر @IssamAlkhursany