الايجاز والاطناب يتقاسمان الكتابات العربية.. الايجاز بقسميه عرف قديما بأنه "تضمين اللفظ القليل المعنى الكثير" وهو تعريف لا تعترف به البحوث اللغوية الحديثة.. اما الاطناب فهو تقسيم المعنى المراد على عدة فقرات تحمل نفس المعنى مع اختلاف الالفاظ، وهو يستدعي التكرار والانغماس في التفاصيل. بنائي اللغوي يقوم على الايجاز.. لا استطيع عد الاغصان بل اذهب الى الجذر مباشرة.. وقد سبب ذلك لي مشاكل كثيرة تمتد من اللوم والعتب والتوجه بالسؤال القديم الجديد "لم لا تقول ما يفهم؟" حتى تصل الى الشك والسب والشتم الاسود.. الايجاز تركني امام من اعتادوا على الاطناب وكأنني من الهراطقة او قريب من الهذيان. لا الوم احدا على المرور على الالفاظ دون الدخول الى دلالتها او ايحاءاتها.. ذلك لأن الثقافة العربية في معظمها ثقافة اطناب وتكرار الهامش هو السائد حتى نسيان المتن اعترف بأني عاجز عن مجاراة الفهم المعتاد على التفاصيل، انه يريد ان يكون كاتب المقالة الصحفية القصصية مدرسا يشرح ما يقوله، حتى قول ام كلثوم "وخلصنا الكلام كله". قبل اكثر من ثلاثين عاما قلت في مقابلة تليفزيونية ان قصيدة النثر المتجسدة في شعر محمد الماغوط افضل بمراحل من كثير من قصائد التفعيلة والقصائد العمودية وبقيت على هذا الرأي حتى الآن. حين اعبر عن كثير من قصائد النثر المستشرية هذه الايام اوجز التعبير عنها بأنها ليست شعرا وانا مصر على هذا حتى غد وبعد غد، ولكني لم اسفك "ماء الشعر" كما يعبر القدماء من كل قصائد النثر.. ولكن الايجاز هو الذي اساء لي.. والسامع هو اسير ثقافة الاطناب وهي ما افتقدها. لا الوم احدا على المرور على الالفاظ دون الدخول الى دلالتها او ايحاءاتها.. ذلك لأن الثقافة العربية في معظمها ثقافة اطناب وتكرار الهامش هو السائد حتى نسيان المتن.. ومعظم ما يقال هو شرح او شرح للشرح وهكذا دواليك. اخيرا يقول الماغوط: "بعد كل هذه الشهرة واسعة الانتشار والذهاب والاياب الى اقاصي الدنيا والندوات والمقابلات والصعود والهبوط على المنابر والتصفيق المتواصل انتهي وجها لوجه امام سيف ابن لادن وقنبلة ابي سياف وساطور رابح بيطار ومشانق الانظمة"