النشر الرقمي والإلكتروني حل بديل عن النشر الورقي، ولكن الوعي به لا يزال ضئيلاً من قبل المثقف المؤلف، الذي لا يزال مأسوراً ومخفوراً بإحباطات النشر العربي للكتب، سواءً النشر التابع للحكومات، أو النشر التابع لدور النشر الخاصة، ومع الأسف فليس من بديل عن النشر في جحيم المؤسستين، سوى النشر على حسابه الخاص، ومع ذلك فسيقع فريسة تكدس كتبه بين يديه فلا تسويق ولا انتشار، وربما تشترط عليه المكتبات الخاصة بتوزيع الكتب نسبةً عالية تؤخذ منه، فهو مغبون خاسر في كل الحالات. وليس لدينا مجال للمقارنة بين حال النشر الغربي والنشر العربي؛ إذا عرفنا أن حال المؤلف في الغرب أكثر حظاً منه في الشرق العربي، وذلك لعدة اعتبارات: فالناشر العربي لا ينتهج سياسة نشر نزيهة، بل لديه من الحيل والأساليب والمراوغة ما يجعله يثرى من نشر الكتب على حساب المؤلفين المغفلين، بينما الناشر الغربي أكثر صدقاً وشفافية في تعامله مع المؤلف ونشر الكتب، فهو ينتهج سياسة عمل مؤسساتي احترافي بكل ما تعنيه الكلمه، ومع معرفة الناشر العربي بكل الحرفية التي تنتهجها مؤسسات النشر الغربية، إلا أنه لا يريد أن يرتقي لمستوياتها في التعامل الأخلاقي والتسويق المتقن، والسبب بالدرجة الأولى يكمن في المؤلف ذاته، فلو امتنع كل مؤلف من دفع كتبه لجشع الناشرين، وطالب بحقوقه لربما تغير الوضع، ولكن ما دام المؤلف يسعى للناشر، لمجرد أن ينشر له حتى لو لم يعطه إلا عدداً من النسخ القليلة، وبدون أن تكون له نسبة أرباح من توزيع الكتاب؛ فهذا ما يجعل الناشر قرصاناً يستغل حاجة المؤلف؛ للحضور الثقافي والانتشار العلمي. ليس لدينا مجال للمقارنة بين حال النشر الغربي والنشر العربي؛ إذا عرفنا أن حال المؤلف في الغرب أكثر حظاً منه في الشرق العربي كما أن البيئة العربية -بكل ما فيها من حضور طاغ لكل أشكال السلطة والأيديولوجيا وغياب الشفافية والديمقراطية- هي التي تفرز هذا النوع من الناشرين المتربصين والمستغلين لكل أشكال التخلف الفكري، ولذلك فلا مؤسسات النشر ترتقي بالمجتمع، ولا الجامعات ترتقي، ولا المراكز، ولا تنجح أي مبادرة في هذا المجال؛ ما دامت مرتبطة بتكتل واحتكار من أجل الكسب المادي على حساب الارتقاء بالمعرفة والثقافة العلمية. مسكين ذلك المؤلف العربي، الذي يؤلف ويكون تأليفه لقمة سائغة لناشر جشع، أو تكون الأدراج سجناً لكل ما كتب وألف، بينما الناشر الغربي هو من يبحث عن المؤلف الجاد وصاحب القيمة الحقيقية للمعرفة، وبعد أن يتعاقد معه، فإنه يضع تحت تصرفه فريق عمل من المحررين؛ لمتابعة وتصحيح ما يكتب، وربما اقترحوا عليه بعضاً من الأفكار أو الفصول بما يخدم فكرة الكتاب، ويكون وسيلة لنجاحها، ثم يوضع الكتاب عند فريق متخصص في إنتاج الكتاب وصفه وترتيبه بأفضل تصميم بصري وجمالي، وقبل توزيع الكتاب، تقوم مؤسسة النشر بتوزيع الكتاب على عدد من الكُتاب المتخصصين في مراجعات الكتب في الصحف والمجلات، فيقومون بنشر مقالاتهم حول هذا الكتاب، ولا ينزل الكتاب في السوق إلا بعد أن يكون قد حظي بسمعة وانتشار بين جمهور المجتمع. ولذلك فلا تسل: لماذا يقف القراء الغربيون بالمئات أمام أبواب المكتبات والمراكز؛ للحصول على نسخة من الكتاب الجديد؟! ولا تسل: لماذا هذا الحظ الرائع للمؤلف الغربي وانتشاره وثراؤه من بيع كتبه؟! ولا تسل عن فكرة إبداع العقود التي توقعها المؤسسات مع المؤلفين الذين تتحول كتبهم لعدة أشكال فنية وثقافية: كتب مسلسلات، وأفلام، وعروض مسرحية، ومتاحف تعليمية متخصصة، وهذا هو الاحتراف في إنتاج المعرفة واستثمارها. إن المؤلف العربي، جديرٌ به أن يعمل مقاطعة تامة لجشع الناشرين، حتى لو ظلت كتبه مخطوطة حبيسة الأدراج، ولا مشكلة حتى لو ظهرت بعد عشرات السنين كحال المخطوطات العربية القديمة، أو أن ينشر في عالم الرقمية الحر، فذلك أشرف للمعرفة وللعلم من أن تنتهك وتستباح باسم قراصنة التأليف والنشر. تويتر @saldhamer