الإشارة الأولى: أقفُ الآن بسيارتي أمام الإشارة. الإشارة مُحمَّرة العين. الاحمرار كغبار الجو.. ينتشر على مدِّ النظر، مُعكِّراً صفو الشارع. عندما التفتُ، أشاهدُ الأحمر بوضوح في كل عينٍ ترقبني. اللون الأحمر.. هو لون تفاح جنَّتنا الأولى، لون الفتنة والغوايات، لون الخطَر والمحرَّمات، ولون النيران والشيطان. المشكِلة الأُولى للمرأة السعودية في الشِّارع تكمن في اللون الأخطر.. فمتى يَرِقُّ هذا اللون، ويتحوَّل من «أحْمر» إلى لون آخر «أرْحم»؟ الإشارة الثانية: اللون الأحمر صامد.. لا يتغير! وأنا أنتظر بفارغ صبري أمام الإشارة منذ عقود. ومع ذلك، لم أزل أُمنِّي النفس بالأخضر.. فمتى يحين ربيعي؟ أحدهم شبَّهني بقطعة الشوكلاتة الفاخرة المغلَّفة بغطاء قشيب.. فهل كان يعتقد أن قِيَمِي وأخلاقي ستذوب في كابينة القيادة تحت أشعة الشمس الحارة؟ أما كان يظن أن أعين السائقين ستأكلني حين أقود سيارتي؟ الإشارة الثالثة: السيّارة.. ليست غاية، بل «وسيلة». الإشارة الرابعة: القيادة أنثى، والسيارة أنثى.. انسجامٌ أنثويٌ خالص لا يُعكِّرُ صفوهُ أي «اختلاط»، إلا أن «المِقْوَدَ» رجْل! الإشارة الخامسة: أنا قارورةٌ قدِمَتْ على سيَّارة من صَرْحِ القوارير.. لِتَكْشِفَ عنْ ساقيَّ حَقِّها، قبْل أن يرتدَّ إليها طرْفُ واقعِ مُجتَمَعِها المؤلِم. الإشارة السادِسة: خطوط الشارع البيضاء، تحولت هي كذلك إلى خطوط حمراء تخنقني.. لا لشيء، إلا لأنَّ أنثى فاتنة (في أخلاقها قبل كل شيء) حاولتْ تخطِّيها! الإشارة السابعة: إذا كانت العِلّة في الفتنة، ففي أشجار الشوارع وزهور الأرصفة جمال أخَّاذ وفتنة.. فلماذا لم تُقتَلَع أو يُوقَف غرسها؟ الإشارة الثامنة: موقِفٌ استفزَّني: سائقي الأجنبي الذي تخلصتُ منه ومن نظراته غير البريئة، يقفُ بجانب الإشارة أمام خطوط المشاة.. ينظر إليَّ بسخرية، يكاد أن ينفجر من الضَحِك.. وأنا أنتظر داخل سيارتي بلا حِراك! الإشارة التاسِعة: شوارع وطني على اتساعها.. لا تتسع لسيارتي الصغيرة! الإشارة العاشرة: ما أكثر المطبَّات والحفريات في شوارعنا.. وفي نُفوسِنا! الإشارة الحادية عشرة: بائع الورود المتجوِّل، يعرضُ الورد عليَّ مجاناً.. يغمزُ بعينه لي قائلاً: الورد للورد! الإشارة الثانية عشرة: أعرفُ أن الجنّة ليست خلْفَ مِقْود السيارة، لكن نار الحاجة تُشعِل الأرصفة تحت قدميَّ! الإشارة الثالثة عشرة: القيادة ليست حُلمي.. لكنها حقِّي! الإشارة الرابعة عشرة: يقولون عني إني دُرَّةٌ مَصونة.. فلماذا لا تكون السَّيارة عُلبة الهدية التي تحفظ هذه الدرة من غبار الحاجة؟ الإشارة الخامسة عشرة: أحدهم شبَّهني بقطعة الشوكلاتة الفاخرة المغلَّفة بغطاء قشيب.. فهل كان يعتقد أن قِيَمِي وأخلاقي ستذوب في كبينة القيادة تحت أشعة الشمس الحارة؟ أما كان يظن أن أعين السائقين ستأكلني حين أقود سيارتي؟ الإشارة السادسة عشرة: عند الإشارة، تكون الساعة.. التي تتحطم فيها قيمتي كإنسان له حق الحركة كبقية مخلوقات الله. بِتُّ أشعر بأني أقل شأناً من النوارس والعصافير التي تنقلها أجنحتها بحرِّية! الإشارة السابعة عشرة: أعرف أني لن أموت إذا لم أقد سيارتي.. لكن الموت أتذوقه كل صباح عند استجداء زوجي المتقاعس حتى يتكرم بإيصالي إلى مدرستي قبل أن يُحسَم من راتبي بسبب تأخري! الإشارة الثامنة عشرة: أكثر إشارات المرور احتراماً لذاتها.. تلك التي لا تضيء في وجهي! كأنها لم تستطع أن تقول «أخضر».. فصمَتَت! الإشارة التاسعة عشرة: عندما أبحث عمّن يوصلني إلى السوق في بلَدي، أحسُّ بذلِّ شحَّاذٍّ غَريب! الإشارة العشرون: أصبحت السيارة في نظري وسيلة نقل للرجل، ووسيلة نقل «تأديبي».. للمرأة! الإشارة الحادية والعشرون: كنتُ أبحث عن مَوقِف لي.. فأخجلتني مواقفكم المُحبِطَة عندما مررت بخطوط قسوتها! الإشارة قبل الأخيرة: يحقُّ لي أن أفخر بنفسي.. فقد ربَّيتُ أبنائي لقيادة أمّة، مع أني لم أُعطَ حقَّ قيادة قِطعة خُرْدَة! الإشارة الأخيرة: [email protected]