دورية راجلة للقوات الخاصة العراقية تمر أمام المنازل المدمرة في ضواحي مدينة الرمادي، غرب بغداد، والتي قاوم فيها مسلحون متأثرون بالقاعدة، الجيش طوال ثلاثة أشهر. ولدى دخول الدورية إلى أحد الأزقة، دوى رصاص القناصة، ثم أعقبته انفجارات القنابل اليدوية. قوات الأمن احتمت خلف الجدران وعربات الهامفي وردت بإطلاق النار. لم يصب أحد وتواصلت العملية الأمنية. بعد فترة وجيزة حاول أفراد الوحدة تمشيط أحد المساكن. يستخدمون شحنة متفجرة لفتح البوابة الخارجية ويلج خبير مفرقعات إلى الداخل. يعلن حينئذ أن المبنى آمن ويدعو بقية الجنود إلى تفتيشه. بعد لحظات يهدم انفجار ضخم المبنى، ويهز الأرض ويبعث بسحابة من الغبار صوب السماء. الذي حدث أن المنزل كان مفخخا. قتل أربعة جنود وأصيب عشرة. "الله يلعن داعش،" يقول ضابط صغير في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذي انشق عن القاعدة. يقول الجنود على مقربة إنهم يستطيعون سماع المسلحين وهم يسخرون منهم عبر مكبرات الصوت بالقول "قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار." حرب المدن المرهقة هذه في حي البكر في الرمادي، التي شاهدها مراسل للأسوشيتد برس الخميس، هي جزء من مواجهة دموية تضع قوات الحكومة ومسلحي عشائر متحالفة في مواجهة الدولة الإسلامية والمتحالفين مع التنظيم من مسلحين في محافظة الأنبار، معقل الأقلية السنية في العراق. ويسيطر المسلحون على الرمادي عاصمة المحافظة، ومعظم مدينة الفلوجة المجاورة. يعد هذا التحدي الأضخم حتى الآن أمام حكومة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، وقد طال أكثر مما توقع المسؤولون، فأوقع أعدادا كبيرة من القتلى في صفوف الجنود العراقيين. ومن المرجح، أنه سيعطل التصويت في الانتخابات المقرر لها نهاية أبريل الحالي، وسيزعزع مصداقية الحكومة. ويقول قائد عمليات الأنبار الفريق الركن رشيد فليح: إن قوات خاصة دربتها الولاياتالمتحدة تقود القتال؛ حيث إن الجيش العراقي لا يملك الخبرة في خوض هذا النمط من الحروب. ويضيف إن أكثر من مائة جندي عراقي قتلوا وأصيب 400 في ثلاثة أشهر من المعارك، بينما قتل نحو 250 مسلحا. وقدر عدد المسلحين بنحو ألف مقاتل في الفلوجة وحدها، نصفهم أجانب. وتقول الحكومة: إنها تحرز تقدما في المعارك. وتهدف العملية في البكر إلى طرد المسلحين من هذه الضاحية وإعادة تأسيس سلطة حكومية. لكن الفريق أول ركن علي غيدان، قائد القوات البرية، قال: إن قادة القوات المسلحة العراقية لا يتوقعون أن تستغرق المعركة ضد الجماعات المسلحة في الأنبار مثل هذا الوقت الطويل، ولام على الأجهزة الاستخباراتية في تقديم معلومات سياسية. وأضاف غيدان، الذي كان يتفقد وحدات في جميع أنحاء الرمادي عندما زارتها الأسوشيتد برس: إن المسلحين مزودون بأسلحة مضادة للدبابات وبنادق قنص متطورة، وتكتيكهم المفضل هو تفخيخ المنازل. وفي الفلوجة، التاريخ يكرر نفسه؛ فقبل عقد، قام أسلاف جهاديي الدولة الإسلامية بدور بارز في الدفاع عن المدينة ضد القوات الأمريكية، في أكبر معارك الحرب العراقية، بما عزز مكانة الجماعة وسمح لها في نهاية المطاف بالتفوق على جماعات التمرد الأخرى. يشار إلى أن الجهاديين الموالين للقاعدة يثيرون في نهاية المطاف نفور الكثير من السنة، بسبب عقيدتهم المتشددة، وكثيرون في الفلوجة يحاربونهم. أما الآن، تحاول الدولة الإسلامية إصلاح صورتها في المدينة، حيث يقوم أتباعها بجمع القمامة وزرع الزهور في الميادين العامة والسماح ببعض الممارسات التي كانوا في السنوات الماضية يعتبرونها من المحرمات، مثل قيام الحلاقين بتشذيب اللحى. الجيش العراقي في المقابل، يتحدث بلهجة صارمة، حيث قال وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي إن قواته عازمة على مواصلة المعارك، مهما استغرق ذلك من وقت. وقال الدليمي للأسوشيتد برس في مقابلة قصيرة بمقر قاعدة عسكرية قرب الرمادي: "الإرهاب لا يزال موجودا، وعلينا أن نستمر في محاربته. سنطهر المحافظة من الإرهابيين، وسنطاردهم من منزل لآخر". إلا أنه يبدو أن الجيش يتحرك بحذر - جزئيا بسبب رغبة الحكومة في تجنب إراقة الدماء أثناء الانتخابات، وجزئيا بسبب عدم رغبتها أيضا في تعريض تحالفها مع العشائر السنية في الأنبار من مؤيدي المالكي، للخطر. ومن المرجح أن تعطل معركة الأنبار الانتخابات البرلمانية المقررة في الثلاثين من الشهر الجاري. ويقول مسؤولون عراقيون: إنه إذا استمر القتال فسيكون من المستحيل إجراء انتخابات في الفلوجة، ولكن ربما في ضواحيها. ويقول مسؤولو الانتخابات: إن نحو ثلث مدن المحافظة ربما تتأثر بالقتال. استثناء بعض المدن السنية من الانتخابات العامة ربما يعمق من مخاوف السنة بالتهميش من جانب الأغلبية الشيعية. ويقول النائب السني حامد المطلك: "سكان تلك المناطق سيشعرون أنهم غير ممثلين في البرلمان بشكل سليم، وهو ما سيؤجج مشاعر التهميش. مثل هذه المشاعر لن تخدم الاستقرار والأمن في البلاد". ودفع القتال العديد من السكان إلى خارج المدينة، وفر أبو طه - من سكان الرمادي- من منزله في حي الملعب منذ ثلاثة أشهر. ويقول مشترطا الكشف فقط عن كنيته خشية التنكيل به "اعتقدنا أن القتال سيستمر لأسبوعين أو ثلاثة فقط. ولم نتوقع أن تكون معاناتنا بلا نهاية". ويقيم أبو طه حاليا مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد بمنزل أحد الأقارب بمنطقة آمنة بالرمادي، وقد نفدت مدخراته، وأصبح يعتمد على أقاربه. وعندما طلبنا منه وصف حالته، قال "بؤس تام".