وقفت طويلا على كلمة باذخة الثراء في الدلالة لعبدالله القصيمي تقول: «كن صهيلا بلا جواد.. لا جوادا بلا صهيل». الصهيل يذكر دائما في معاجم اللغة مع كلمة الصليل.. حتى ليكادان يصبحان مترادفين. فالخيل هي وسيلة السيوف لخوض المعارك ومنازلة الأعداء، لكن كلمة القصيمي تتجاوز هذا التلازم أو الترادف. الصهيل هو صوت الجواد وهو مرتبط لغويا بالحدة وبشيء آخر هو (البحة) والبحة عذوبة في الصوت نجدها في بعض الأصوات البشرية. أما الصليل فهو صوت السيف.. ولا أعتقد أن به بحة إلا إذا كان والغا في الدماء. والقصيمي لا يقصد الجواد.. إنه يقصد الإنسان ويحثه على أن يكون ذا صهيل.. أي أن يكون فاعلا ومتجاوزا ورافضا لا جوادا مستسلما نسي الصهيل. من يكن بشرا بلا صهيل، بلا فعل، فمعنى ذلك أنه نسي.. نسي كينونته ووجوده وأصبح تمثالا حجريا. وحين نجاري الخيال الجامح للقصيمي نجد أن جموعا غفيرة لا تعرف أن للإنسان صهيلا.. أي فعلا.. فتكون عقولها في آذانها وتسير في حياتها (كجلمود صخر حطه السيل من عل). الصهيل والصليل لم يعودا صوتين، بل أصبحا علما وابتكارا وإبداعا.. ولأننا معدمون من هذا كله لم يبق أمام أمانينا إلا الذاكرة.. نستخرج منها الماضي ونفرح به كما يستخرج الغواص لؤلؤة فنعيش على الذكريات الوهمية. ولن أجد تعبيرا عن هذه الحال أروع وأجمل وأمض من الرثاء الحزين للشاعر أمل دنقل الذي يقول فيه من قصيدة طويلة: «الفتوحات في الأرض مكتوبة بدماء الخيول وحدود الممالك رسمتها السنابك والركابان ميزان عدل يميل مع السيف حيث يميل اركضي أوقفي الآن أيتها الخيل لست المغيرات صبحا ولا خضرة في طريقك تمحى ولا طفل أضحى إذا ما مررت به يتنحى (..) صيري تماثيل من حجر في الميادين صيري رسوما ووشما تجف الخطوط به مثلما جف في رئتيك الصهيل (...) صارت الخيل ناسا تسير الى هوة الصمت بينما الناس خيل تسير الى هوة الموت.. الخ».