في الثامن من نوفمبر وصلت لجنة من الأممالمتحدة في منطقة دارفور، غرب السودان، لتحديد ما إذا كان مقتل ما يناهز مائة ألف شخص خلال الأشهر الستة الماضية قد شكل إبادة جماعية .وبينما تسير أعمال اللجنة ببطء في مهمتها ذات الأشهر الثلاثة، تستمر دارفور في التحول إلى منطقة رعب مليئة بميادين قتل واغتصاب جماعي وتمييز عرقي. وعلى مدى لحظات قليلة في 16 سبتمبر، أبدى الاتحاد الأوروبي رفضه لذلك.. فأعلن البرلمان الأوروبي أن أعمال الحكومة السودانية في دارفور (بمثابة إبادة جماعية)، وأن وزراء الاتحاد الأوروبي هددوا بفرض عقوبات إذا لم يتم إحراز تقدم ملموس في اجتماع الأممالمتحدة لوقف المجازر .وعلى الرغم من ذلك، وبعد مرور ثلاثة أشهر، بات من الواضح أن الخرطوم لم تفعل شيئاً بناءً لإنهاء المذابح، ولا الاتحاد الأوروبي كذلك.. وعلى نحو مأساوي، الوعود القاطعة بعدم التكرار مرة أخرى تتكرر مرة أخرى.. فقد بينت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الأخير أن أكثر من 70 ألف نازح ماتوا منذ مارس وأن حوالي 10 آلاف شخص سيموتون كل شهر إذا لم تصل إمدادات الإغاثة إلى المتضررين .فالمزيد من المئات، وربما الألوف، وقعوا ضحايا لأعمال النهب الوحشية للعصابات المنظمة وأصبح ما يقارب من مليون شخص بلا مأوى.. بل، وحتى في الذكرى العاشرة للإبادة الجماعية في رواندا، اختار المجتمع الدولي للمرة الثانية أن يشاهد وينتظر، و للآن، لم يفعل شيئاً. ومن غير دهشة، مثلت الأممالمتحدة حالة العجز هذه .. فعلى الرغم من أنها أصدرت قرارين تأمر بموجبهما الخرطوم بحل ميليشيات الجانجاويد وإيقاف المجازر، إلاّ أن متطلبات مجلس الأمن قد ضُرب بها عرض الحائط تماماً لأنها فشلت في أن تتضمن أي عقوبة لعدم الالتزام بها.. ولعب الاتحاد الإفريقي دوراً أكثر نشاطاً، فالجنود الذين ارسلهم الى دارفور لايزالون موجودين هناك منذ أغسطس غير أن أعدادهم بسيطة لا تكفي لوقف المذابح الجماعية كما أن دورهم لا يكفل حماية المدنيين. أما الولاياتالمتحدة، وهي التي كانت أول من استخدم مصطلح (الإبادة الجماعية) فقد غابت هي الأخرى عن دارفور، فابتداءً من غزوها الثاني لدولة مسلمة خلال ثلاث سنوات، ومع صورتها المشوهة في العالم الإسلامي وقلق البنتاجون من نشر أكثر من ربع مليون جندي في العراق، وأفغانستان وفي أرجاء من آسيا، فإن أمريكا الغارقة في هذه المستنقعات غير مؤهلة لقيادة المسؤولية في شرق أفريقيا بأية حال.فإذا كانت الولاياتالمتحدة عاجزة عسكرياً وسياسياً بسبب التزاماتها الدولية الحالية، فإن هذا الوضع لا يمكن إطلاقه على الأمم الأوروبية التي كان للكثير منها ظهور قوي في أفريقيا طيلة قرون.و يبدو أن الالتزام الحقيقي لأوروبا بأفريقيا مظهر كاذب. والحقيقة أنه لا يوجد جندي واحد يحيي العلم الأوروبي على استعداد للذهاب في رحلة إلى صحراء السودان.. فالاتحاد الأوروبي الذي يمتلك موجودات 25 دولة عضوا و 450 مليون نسمة، وربع إنتاج العالم ( بما يزيد على 8 تريليونات دولار )، لا يفتقر إلى موارد.. وفي الواقع، من الأسباب التي جعلت الاتحاد الأوروبي لا يتدخل في دارفور أن الأممالمتحدة لم تفوض له التدخل وبالتالي لم يشعر الاتحاد الأوروبي بميول للذهاب إلى هناك في إطار يكون فيه أحادي الجانب . ولكن، بغض النظر عن حقيقة دور الاتحاد الأوروبي في المساندة و تأثيره في تشجيع الأممالمتحدة على تغيير موقفها ، فإن التدخل العسكري لمواجهة أزمة إنسانية خطيرة - بدون إجماع كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - يقضى على إمكانية التدخل المسلح الجماعي .. وبهذا الصنع أو التصنع يجوز للدول الأعضاء فيه الإعراب عن قلقها وبالتالي التماس العذر إذا ظلت بلا دور في ظل الانحناء لقرار وحدتها الكلية. في الواقع، لقد شكل الاتحاد الأوروبي آلية للسياسة الخارجية يكون اللاعمل فيها موقفاً تلقائياً عملياً حتى إن كان الأمر يقتضي مواجهة إبادة جماعية.