هناك شكوى دائمة في أوساط الأكاديميين والمثقفين من أن اللغة العربية تعانى ضعفا لدى أهلها، لذلك تعقد المؤتمرات والندوات التي تحاول دراسة أسباب هذه المشكلة ووضع حلول لها.. والحجة التى يبرر بها البعض ضعفهم في الكتابة والحديث باللغة العربية هى أن قواعدها صعبة، لذلك لا يرهقون انفسهم في تعلمها.. وفي هذا المقال تركز الكاتبة على الرد على هذه الحجة. الحديث عن صعوبة تعلم اللغة وتعليمها لا يخص العربية وإنما هو شكوى متصلة في جل اللغات الإنسانية. وقد يجد المرء تفاوتا في المشقة والجهد عند التصدي بالدرس لفروع اللغة وحقولها، فلا ريب أن بعض ميادين اللغة اكثر إمتاعا من بعضها فمتذوق الأدب والشغوف بالتاريخ وأخبار الناس يتلذذ عند درس الأدب وفنونه وهذا لا يعني أنه يقبل على فروع اللغة الأخرى بالهمة نفسها والشغف نفسه. فبعض المتصلين بالمكتبة الأدبية وتراثها يجد عنتا في فهم قواعد اللغة ويشق عليه تعلمها، كما يشق على بعض المنصرفين إلى الحقل العلمي المعملي التجريبي الصبر على قراءة التاريخ أو تذوق الأدب، ولا ندعي الحكم على إطلاقه فهناك علماء يزاوجون بين اهتماماتهم بل ويتميزون في حقول معرفية متباعدة. ما نتوقف عنده السؤال الذي يتلفع بالشكوى الدائمة على صعوبة قواعد العربية وإخفاق كثير من المتعلمين في التمكن منها فما السر في هذا؟ أهو صعوبة وتعقيد في طبيعة اللغة نفسها؟ أم الإجابة كامنة في طرائق تعليم اللغة وقواعدها؟ أم نعزو العجز للمتلقي وقدراته؟ أم جملة ظروف مجتمعة وحكم تاريخي وصم العربية بهذه التهمة؟ لعل أي منصف يتساءل ألا يجد المتعلم عنتا ومشقة في تعلم علوم أخرى كالرياضيات والعلوم الطبيعية أو غير اللغة من العلوم الإنسانية؟ إن التعلم مهمة جادة ومن أعطى العلم كله أعطاه العلم بعضه لكن هذا الحكم لا يقتصر على العربية فقط وعلومها بل هي سمة التعلم على وجه العموم وكذلك لا تقف المعاناة عند تعلم قواعد اللغة فكل فروع المعرفة تحتاج جدا واجتهادا، والتهاون والتقاعس أو الركون إلى سهولة المادة المدروسة يوقع المتعلم في مزالق، وتقوده إلى خلط المتناقضات فينفضح حال جهله في مواقف لا يحسد عليها. وكلنا يدرك أن للعلماء سقطات وهفوات وهم الذين أفنوا حياتهم في طلب العلم ولم يسلموا من بعض الهنات نتيجة اللبس واختلاط المعارف فكيف بالمتعلم المبتدىء أو العجول الذي لا صبر ولا جلد له في طلب العلم. أما حتمية تعلم اللغة وقواعدها على مشقة ما ينال المتعلم منها فذاك أمر تبعث إليه الضرورة والحاجة معا. فأهمية اللغة لا تكتسبها من خارجها وإنما تنبع من داخله. فالتواصل الإنساني بمستوياته المختلفة إنما يكون باللغة، وما تعدد الوظائف التي نسوق فيها اللغة إلا بيانا لهذه الأهمية. فالاتصال اللغوي وبين البشر لن يكون إلا باللغة وتواصلنا باللغة العربية تفرضه الحتمية التاريخية لمجتمعاتنا العربية كما أن مجتمعات أخرى تتواصل كل بلغته الأجنبية عنا. وتفرض حاجة بعض الناس ضرورة تعلم أكثر من لغة كما يفرض الاحتكاك اللغوي التداخل بين اللغات فيصيب الاقتراض اللغوي اللغات مما يدفعها إلى التطور الداخلي والنمو فيجد المتعلم نفسه أمام معترك جديد فرضته ظروف استجدت. تتعدد وظائف اللغة فلا تقتصر على التواصل بين متلقي ومستقبل كلاهما يضيف على الآخر ويتبادل معه اللغة فقد تكون وظيفة اللغة وظيفة إبلاغية بحتة حيث تصدر اللغة من طرف والآخر مستمع فقط كما هو في الخطب ونشرات الأخبار والإعلانات المختلفة ومنها أن تكون اللغة وسيلة تواصل اجتماعي كالفاظ التحية وبعض الردود التي تصب في قوالب لغوية تأتي على لسان المتحدث بتلقائية لا يقصد محتوها المعجمي بقدر ما لها من وظيفة اجتماعية. ألا تستحق اللغة الصبر على تعلمها؟ ولها وظائف أخرى لم تأت عليها في هذه العجالة فهي أداة التعلم والبحث وترجمة الفكر ووسيلة الإمتاع والإبداع وغير ذلك كثير.