لكم أن تتخيلوا يا سادة لو أننا عمقنا الممارسة الحضارية لدى الطالب بحيث يحرص على رمي كيس الساندويتش الخاص به في أقرب سلة مهملات هذا يعني أننا سنوفر مبلغا شهريا يكفي لبناء مدرسة هي افضل بكثير في تجهيزاتها وامكاناتها من تلك المدارس المستأجرة ذات الامكانات البسيطة، أو ربما كان المبلغ نفسه كافيا لبناء أكثر من مدرسة. عملية حسابية بسيطة من خلالها نستطيع اكتشاف إحدى الحقائق المذهلة, وهي أن الممارسة والسلوك الحضاري إذا أصبحا ثقافة شائعة في المجتمع فإن لذلك مردودا اقتصاديا كبيرا. فلو أخذنا كمثال: غلاف الساندويتش الذي يأكله الطالب في المدرسة ثم يرميه على الأرض، هذا الغلاف يكلف وزارة التربية الكثير شهريا فإن في كل مدرسة عاملا متخصصا لتنظيف ما يخلفه الطلاب من أغلفة وبقايا طعام وعلب عصير.. هذا إذا استثنينا المدارس التي يوجد بها طاقم عمال لأداء هذه المهمة!! هذا العامل يكلف المدرسة شهريا قرابة 600 ريال كراتب شهري. هذا يعني أن في مدارس المملكة والتي يبلغ عددها حسب إحصائيات وزارة التربية 24000 مدرسة تقريبا نفس العدد من العمال الذين تتلخص مهمتهم في جمع وتنظيف أغلفة الساندويتشات وعلب العصير الفارغة وهم يتقاضون ما مجموعه تقريبا 14 مليونا و800 ألف ريال شهريا. ولكم أن تتخيلوا يا سادة لو أننا عمقنا الممارسة الحضارية لدى الطالب بحيث يحرص على رمي كيس الساندويتش الخاص به في أقرب سلة مهملات هذا يعني أننا سنوفر مبلغا شهريا يكفي لبناء مدرسة هي أفضل بكثير في تجهيزاتها وإمكاناتها من تلك المدارس المستأجرة ذات الإمكانات البسيطة. أو ربما كان المبلغ نفسه كافيا لبناء أكثر من مدرسة من مدارس الهجر التي لا يتجاوز عدد طلابها عشرين طالبا. هذا الكلام ينطبق أيضا على نظافة الشوارع والأرصفة والمرافق العامة فإن عامل التنظيف إذا التقط شيئا من الشارع فغالبا ما يكون منديلا ورقيا رماه احدهم من نافذة السيارة أو علبة وضعها الآخر بجوار (وليس في) حاوية النفاية ولو تحملنا نحن مسؤولية التخلص من النفاية بالطريقة الصحيحة وجعلنا من ذلك ثقافة وسلوكا للمجتمع لوفرنا الكثير والكثير فما بالك لو فكرنا في إعادة تدويرها فستتحول إلى تجارة مربحة. العجيب في الأمر أن بعض أفراد في المجتمع ليس بالقليل عددهم غير متقنع بأنه مسئول مسؤولية مباشرة عن نظافة بيئته بل ينتقد هذا الطرح انتقادا شديدا فهذا أحد أولياء الأمور يحضر إلى مدرسة ابنه ويقتحم غرفة المدير غاضبا مزمجرا لأن أحد الأساتذة كلف ابنه مع مجموعة من زملائه بتنظيف صالة المدرسة من أكياس الساندويتشات وكان يردد بكثرة عبارة (إنني أرسلت ابني للمدرسة ليتعلم لا ليصبح (زبالا)). مثل هذه الأفكار تمثل عائقا كبيرا أمام تغيير سلوكنا كمجتمع وهذا أمر طبيعي إذ إن السلوكيات ليست إلا ترجمة لأفكار عمرت النفوس والعقول أولا. ومع علمي أن هذه العملية الحسابية التي أجريتها ليست دقيقة ولم تجر كما ينبغي لكنها قريبة من الواقع الحقيقي وستلفت انتباه من لا يؤمنون إلا بالأرقام والإحصاءات. غير أن الأمل في المستقبل سيظل كبيرا فالزمن عامل مهم لحل كثير من العقد المستعصية.