بدأ عهد جديد في أوكرانيا امس الاحد غداة يوم جنوني شهد اقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش بحكم الامر الواقع والإفراج عن المعارضة يوليا تيموشنكو التي لقيت استقبالًا حافلًا من قبل انصارها في ساحة الاستقلال في كييف، فيما أحبط حرس الحدود في دونيتسك محاولة الرئيس يانوكوفيتش من مغادرة البلاد بتقديم رشوة لهم. لكن الامل في إخراج اوكرانيا من ازمتها يشوبه قلق متزايد لدى الاسرة الدولية من ان يتعزز الانقسام في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 46 مليون نسمة، بين الشرق الناطق بالروسية، ويعتمد الثقافة الروسية ويشكّل اغلبية، والغرب القومي والناطق بالاوكرانية. وأعلنت المعارِضة يوليا تيموشينكو ترشّحها للانتخابات الرئاسية المقررة في 25 مايو القادم، وسيتولى رئيس البرلمان أوليكسندر تورتشينوف منصب الرئاسة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة، بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة وإعادة تفعيل دستور 2004. وطلب رئيس البرلمان الأوكراني أوليكسندر تيرتشينوف من أعضاء البرلمان امس الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية بحلول يوم الثلاثاء. وأضاف إنه يجب اعطاء الاولوية لهذه المهمة. وقال إنه يجب أن تبدأ على الفور المناقشات المتعلقة بتشكيل حكومة جديدة. وأصدر وزير الداخلية الأوكراني الجديد آرسين افاكوف امس أوامره بالإفراج عن 64 متظاهرًا تم احتجازهم خلال المظاهرات التي شهدتها كييف خلال هذا الاسبوع. وذكرت وكالة ريا نوفوستى الروسية للأنباء، أن النائب المعارض افاكوف، الذى تولى حقيبة الداخلية السبت، طالب بإجراء تحقيق في أعمال الشرطة خلال المظاهرات. وقالت وزارة الصحة الاوكرانية امس إن 82 شخصًا قتلوا وأُصيب 645 شخصًا خلال أعمال العنف على مدار الأيام الخمسة الماضية. وقد لقي 16 رجل شرطة على الاقل، معظمهم بطلقات نارية. اعتقالات وفي السياق، أبلغ مسؤولون البرلمان الأوكراني امس بأن أمرًا صدر بالقبض على وزير الداخلية السابق اوليكسندر كليمنكو والنائب العام السابق فيكتور بشونكا. وقال اوليه ماخنيتسكي القائم بأعمال النائب العام "فتح تحقيق ويسعى فريق تحقيق لاعتقال الرجلين لمحاكمتهما". وأبلغ أرسين أفاكوف القائم بأعمال وزير الداخلية البرلمان أن الشرطة تتعاون مع أمن الدولة، ومكتب النائب العام في التحقيق "في جرائم خطيرة ضد الشعب الاوكراني بما في ذلك جرائم ارتكبها مسؤولون كبار سابقون بالدولة". قلق دولي من جهته، عبّر رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عن قلقه من وجود قوى تهدّد وحدة وسلامة أراضي اوكرانيا، بدون ان يحدّد طبيعتها. ودعت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون المسؤولين السياسيين الاوكرانيين الى التحرك "بمسؤولية" لحماية "سلامة أراضي أوكرانيا" و"وحدة البلاد". كما دعا وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير المسؤولين السياسيين في اوكرانيا الى فعل كل ما يمكنهم من اجل الحفاظ على "وحدة اوكرانيا وسلامة اراضيها". وقال في بيان ان "اساس كل القرارات السياسية يجب ان يكون الحفاظ على سلامة أراضي اوكرانيا ووحدتها الوطنية". اما البيت الابيض فقد اكد في بيان: "نحن مستمرون في الدعوة الى وقف العنف من الجانبين والتركيز على حوار ديموقراطي سلمي وفقًا للدستور الاوكراني". ووعدت واشنطن بالعمل مع "حلفائها وروسيا والمنظمات الاوروبية والدولية المناسبة" بهدف دعم اوكرانيا "مزدهرة وموحدة وديموقراطية". ورحّب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس امس بالافراج المفاجئ عن الزعيمة الاوكرانية المعارضة يوليا تيموشنكو ودعا الى تجنب العنف في هذا البلد والحفاظ على "وحدته وسلامة اراضيه". وقال فابيوس في بيان: "نرحّب بالإفراج عن السيدة تيموشنكو. في الوضع الاستثنائي الذي تمرّ به اوكرانيا، فإن فرنسا تدعو مع شركائها الاوروبيين الى الحفاظ على وحدة اوكرانيا وسلامة أراضيها وكذلك ايضًا الى الامتناع عن اللجوء الى العنف". واضاف الوزير الفرنسي الموجود حاليًا في زيارة رسمية الى الصين: "نأمل ان يتم احترام الدستور وتشكيل حكومة جديدة والاعداد لإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن". وفرضت اوكرانيا نفسها على اجتماع مجموعة العشرين في سيدني. وبدون أن يرد ذكرها في البيان الختامي قرر عدد من اعضاء المجموعة التحدث عنها بموقف موحّد في مؤتمراتهم الصحافية. وقال وزير الاقتصاد والمال الفرنسي بيار موسكوفيسي إن "عدة دول اتفقت على تأكيد دعمها" لأوكرانيا "في مؤتمراتها الصحافية في نهاية مجموعة العشرين (...) بعبارات متطابقة". ورفض تحديد هذه الدول التي قررت المشاركة في هذا الاعلان شبه المشترك، لكن روسيا واحدة منها بالتأكيد. من جهة اخرى، التقى وزير الخزانة الامريكي جاك ليو نظيره الروسي انطون سيلوانوف على هامش قمة العشرين للبحث في الوضع في اوكرانيا. وقال مسؤول في وزارة الخزانة الامريكية امس الاحد ان ليو "شدّد على الحاجة الى الاستقرار والاصلاح الاقتصادي". وفي ساحة الاستقلال التي اطلقت عليها المعارضة اسم الميدان، هتفت تيموشنكو "انتم ابطال انتم افضل من في اوكرانيا". وطلبت المعارضة التي ظهرت بضفيرتها الشهيرة وجلست على كرسي متحرك امام حوالي خمسين الف شخص في ساحة الاستقلال، من المتظاهرين مواصلة معركتهم. وقالت "اذا قال لكم احد ان الامر انتهى ويمكنكم العودة الى بيوتكم، فلا تصدقوه، وعليكم إكمال العمل". واسفرت اعمال العنف التي بلغت ذروتها هذا الاسبوع عن سقوط ثمانين قتيلًا بعد ازمة حادة مستمرة منذ ثلاثة اشهر، وهو مستوى غير مسبوق من العنف في هذا البلد الفتي الذي كان جمهورية سوفياتية سابقة. وخلال نهار طويل من الاحداث المتلاحقة السبت قرر البرلمان الاوكراني الإفراج عن يوليا تيموشنكو التي حكم عليها بالسجن سبع سنوات في 2011 بتهمة اساءة استخدام السلطة. كما قرر تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في ايار/ مايو، في اقالة للرئيس فيكتور يانوكوفيتش بحكم الامر الواقع. وينص القرار الذي تبناه النواب ويحدد يوم 25 ايار/ مايو موعدًا للانتخابات الرئاسية المبكرة على ان "الرئيس يانوكوفيتش ابتعد عن السلطة ولم يعد يمارس مهامه". لكن يانوكوفيتش الذي تنتهي ولايته في اذار/ مارس 2015، اكد من خاركيف (شرق) انه لا ينوي ابدًا الاستقالة وذلك في كلمة بثها التليفزيون. وقال "لن اغادر البلاد الى اي مكان. ولا اعتزم الاستقالة. فأنا الرئيس المنتخب شرعيًا". واضاف ان "البلاد تشهد انقلابًا" واصفًا البرلمان بأنه "غير شرعي". وقد اعلنت وزارة الدفاع الاوكرانية في بيان السبت ان الجيش "لن يتورط" في النزاع الذي يشهده هذا البلد بين الرئيس يانوكوفيتش ومعارضيه.
محاولة هروب الرئيس واخيرًا، قال حرس الحدود الاوكراني لوكالة فرانس برس ان الرئيس المقال بحكم الامر الواقع فيكتور يانوكوفيتش حاول رشوة حرس الحدود في دونيتسك لكي يسمحوا لطائرته بمغادرة البلاد، لكن محاولته باءت بالفشل. وقال المتحدث باسم حرس الحدود سيرغي استاهوف: "كانت هناك طائرة خاصة يفترض ان تقلع من دونيتسك، ولكن لم تكن لديها الاذونات اللازمة". واضاف: "عندما وصل المسؤولون للتحقق من الوثائق استقبلهم مسلحون وعرضوا عليهم مبلغًا من المال مقابل السماح للطائرة بالإقلاع من دون ترخيص". وتابع: "بعد قليل، وصلت مدرعتان وتوقفتا قرب الطائرة ونزل منها الرئيس وغادر المطار".