أصبح إجراء الانتخابات العراقية في موعدها مسألة لا يمكن المساومة عليها بالنسبة للإدارة الأميركية, حيث تمثل بالنسبة لها محكا حقيقيا لمصداقية تصميمها على الدفاع عن منهجها البرجماتي.فإدارة الرئيس جورج بوش تنظر إلى هذه الانتخابات بوصفها "وميض نور في نهاية نفق مظلم ومحفوف بالعنف". يقول فريديريك بارتون أحد مديري مشروع إعادة الإعمار في فترة ما بعد الصراع التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "إن مراحل الانتقال التي تأتي بعد انتهاء الصراعات غالبا ما تتسم بالفوضى, والصراع العراقي الحالي لن يمثل استثناء في تلك القاعدة". وكان الرئيس بوش قد قال بعد لقائه الرئيس العراقي المؤقت غازي الياور إنه يعتقد أن من الضروري أن يصوت الشعب العراقي يوم 30 يناير القادم لأن ذلك سيعطي للشعب فرصة للمشاركة في الديمقراطية, مشيرا إلى أن إجراء الانتخابات في موعدها "سينقل رسالة واضحة إلى الأقلية في العراق الذين يحاولون وقف المسيرة الديمقراطية مفادها أنهم لن يتمكنوا من اعتراض طريق الانتخابات".ويفهم من هذا التصريح أن بوش يرى أن تأجيل الانتخابات يعتبر نصرا للمقاتلين الذين يشنون حربا على القوات الأميركية في العراق.في الوقت ذاته طالب 17 حزبا عراقيا بتأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر على الأقل, مؤكدين أن تلك الفترة ستكون كافية لتقليل أعمال العنف وخفض حدة التوتر مما سيمكن عددا أكبر من العراقيين من المشاركة في التصويت.يذكر أن رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي يرفض بشدة أي تأجيل للانتخابات، إلا أن إحدى الصحف البلجيكية نقلت عنه قوله "إن العراق يمكن أن يمدد فترة التصويت لمدة ثلاثة أسابيع لتهدئة المخاوف والسماح بحماية أفضل لمراكز الاقتراع".من جهة أخرى أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شكوكه في إمكانية إجراء الانتخابات العراقية في موعدها, وقال -وهو يقف إلى جانب علاوي- "أقول بكل صدق إنه لا يمكنني أن أتصور إمكانية تنظيم انتخابات في ظل احتلال قوات أجنبية".لكن السفير الأميركي السابق في كرواتيا وأحد المسئولين الساميين في مركز مراقبة انتشار الأسلحة جلبريث بيتر يرى أن بوش سيتعرض لإحراج كبير إذا ما قبل بتأجيل للانتخابات في الظروف الحالية.ويفضل بيتر إجراء تلك الانتخابات بطريقة بطيئة نسبيا تجرى على مراحل تبدأ بانتخابات جزئية في المناطق المستقرة من العراق.ويضيف قائلا "نعم قد يبدو تأجيل الانتخابات أمرا سيئا، لكن من المؤكد أن إجراءها على المستوى الوطني الآن سيكون أسوأ". وعلى النقيض من ذلك يرى لاري دايموند المسئول السابق في سلطة التحالف المؤقتة بالعراق وأحد الأعضاء البارزين في مؤسسة هوفر، أن مبررات الإدارة الأميركية في الضغط لإجراء الانتخابات في موعدها "وجيهة وعملية".ويعتقد دايموند أن أي تأخير لهذه الانتخابات ينذر بخطر "إغضاب الأغلبية الشيعية التي ظلت لفترة طويلة خارج الحكم وتتوق إلى إثبات هيمنتها فورا", مضيفا أن انتخابات مبكرة تبدو في صالح علاوي الذي تنظر إليه أميركا "كحليف ثمين على المستوى البعيد".وكما أكد أن الإدارة الأميركية تعتقد بأنه "مهما كان مستوى العنف يوم 30 يناير المقبل فإن مستوى العنف في 30 أبريل أو 30 يونيو المقبلين سيكون أسوأ إذا لم تتم الانتخابات في موعدها".وفي نفس الاتجاه يقول لي فينشتاين المستشار العسكري للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون "إن التأجيل مرة يفتح الباب أمام احتمال تأجيل ثان وثالث".وتعتبر انتخابات ينايرالقادمة أول خطوة في مسلسل سياسي طويل في المرحلة الانتقالية الحالية بالعراق, وأي تأخير لها يعني -بصورة شبه مؤكدة- احتمال تأخير تاريخ بدء القوات الأميركية أي سحب جوهري لقواتها, الأمر الذي لا تريد الإدارة الأميركية أن تخاطر به خاصة بعد أن قررت إرسال آلاف إضافية من الجنود إلى العراق "لأجل ضمان إجراء تلك الانتخابات". ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة تافتس توني سميث "إذا كانت الإدارة الأميركية تخطط للخروج من العراق كما أعلنت فعليها أن تتمسك بجدولها". وكان سميث قد وصف غزو العراق بأنه "خطأ فظيع", مضيفا أن الإدارة الأميركية تبحث الآن عن "استراتيجيتها الخاصة بها للخروج من هذا الخطأ الفظيع".