قد يكون التجريب مسلكا شائكا يجعل الكثير من الفنانين يترددون ألف مرة قبل المضي فيه, لكنه بالتأكيد يظل السبيل التي تأخذ الفنان التشكيلي الى حدود لم يذهب إليها خياله من قبل, ويدفعه الى حقيقة غير التي أدركها, وتقنيات غير التي تعلمها وترسخت لديه, فالفنان المجرب عادة يراهن على غير المألوف, ويتمرد على النزعات التقليدية المعتادة, ومن هنا يكون التجريب رحلة للبحث عن المجهول, وهو في تعريف مبسط له يعني الانسياق والتدافع خلف تداعيات القلق الفني الذي يحض الفنان على التبديل والتغيير, وهذا ما قد ينطبق على المسار الجديد الذي يتبعه الفنان فهد الحجيلان في مرحلته الحالية التي بدأت مع مجموعة (الصخرة الحمراء) التي شارك بها في المعرض الثالث لجماعة(الرياض) التشكيلية, وتأكدت خلال معرضه الذي يقام حاليا في (غاليري شدا) بالرياض, ففي هذا المعرض الذي أطلق عليه الحجيلان(بكاء الألوان) ويمثل المجموعة (التاسعة) في تجربة الفنان, بدأ الانحياز واضحا للوحدة اللونية التي تعطي مدلولا فراغيا عميقا, ويثير خاصية الاختزال للعناصر والرموز, حيث يصبح اللون رمزا مكثفا ويتحول الفراغ الى علامات إشارية لغوية بمنطق التشكيل وفلسفته وخصائصه, فبالإمكان ان تجد نفسك أمام لوحة كبيرة يلعب فيها اللون الأحمر , أو الأزرق, أو الأسود, أو غير ذلك, دور البطولة الفعلية على فضاء اللوحة, لكن الملفت ان تكون وسط مساحة السواد هذه نقطة بيضاء تكسر ذلك الفراغ الحاد الذي يحدثه اللون الواحد في سيطرته الكاملة على محيط اللوحة من جهاتها الإطارية الأربع، فإذا كانت (الفراغية) اصطلاحاً جاء إلى الفن من العلوم الهندسية في الأساس، فإنه ومن خلال بعض توظيفات الفن المفاهيمي وأفكاره، استطاع أن يحقق نوعاً من أنواع الحوار المتوازن بين العلوم الهندسية وفنون التشكيل، خصوصاً فيما يتصل بالأعمال النحتية التي يحاصرها فراغ المكان من الجهات المختلفة في مكان العرض، وهو نفسه ما ينطبق على التجارب المفاهيمية التي تتوسد الأرض بديلاً عن الحائط، لكن مع مرور الوقت بدأت الفراغية تصعد إلى الجدار، وتحقق قيمة فنية إضافية في لوحات معلقة، ليكون الفراغ من صنع الفنان، سواء باللون الموحد لأرضية اللوحة، أو من خلال تأسيس بعض الرموز التي لا تشغل حيزاً كبيراً من مساحة اللوحة، فتعطي مساحة من الفراغ حولها، وهو ما يفعله الفنان فهد الحجيلان الآن، فهو يؤسس تجربته الجديدة معتمداً بشكل كلي على اللون الموحد، ثم يكسر حدته ببعض التكوينات اللونية الصغيرة التي تحول اللون الواحد إلى كتلة كبيرة من الفراغ، وهو بهذا الفعل يفتح نافذة على إمكانية التأويل، حيث يكون المتلقي للعمل مشاركاً في إنتاج مدلولاته من خلال التحليل الشخصي، الذي يتغير حسب وعي وثقافة كل متلق للعمل، ولعل ما يجعل هذا النمط تمثيلاً لمرحلة جديدة في تجربة الحجيلان، هو إقامة معرض كامل يتأسس على هذه النزعة نحو التغيير في أسلوبه، وأيضاً لأن هذا المعرض يعتبر الأول الشخصي، بعد أن كانت كل مجموعاته السابقة ضمن معارض جماعية يشارك فيها مع آخرين، ومع أن هذا النزوع نحو التغيير جاء تدريجيا وليس بصورة مفاجئة، إلا أنه في هذا المعرض تحقق بشكل أكثر نضوجا من ذي قبل، حيث بدت مساحات الفراغ مدروسة رغم عفويتها وبساطتها التلقائية، وهو ما يكشف أن المسألة في الشكل العام مقصودة، ولها ما يبررها في مفهوم الفنان الذي بدأ من محاكاة الطبيعة والواقع في بداياته، ومر على العديد من المحطات، برزت عبرها جملة من الرموز الخاصة به، مثل: الطائر، الحصان، المرأة ، المراكب، وصولا إلى البياض الكامل في مجموعة لوحات عرضها في العام الماضي مع الفنان هاشم سلطان الذي قدم مجموعة أعمال (مجسمات) كلها سوداء استخدم فيها أجزاء من إطارات السيارات، ليكون اللون الأبيض لدى فهد في مواجهة اللون الأسود لدى هاشم، غير أن ذلك البياض قاد الحجيلان إلى مساحات لونية أخرى ظهرت فيها مختلف الألوان دون انحياز واضح إلى لون على حساب آخر، وكأن المقصود ليس اللون كشكل، وإنما اللون كمدلول فراغي تكسر صمته التكوينات اللونية الصغيرة، التي قد لا تنسجم مع لون الخلفية، بقدر ما تتصارع معه أو تتجادل بصيغة جمالية تفضح الفراغ، والمسكوت عنه. يذكر أن هذا العرض الذي أقامته صالة (شدا) تم افتتاحه في حضور الأميرة هيلا بنت عبد الرحمن آل سعود، حيث كان اليوم الأول منه افتتاحا نسائيا أشرفت عيه الفنانة هدى العمر، وحضرته العديد من الاسماء النسائية التشكيلية والأكاديمية منهن: د. سناء علي، د. ليلى سليمان، منال الرويشد، عبير الشدوخي، وهدى الرويس، وكان اليوم الثاني حافلا بالعديد من الفنانين الرجال منهم: الفنان اللبناني المعروف وجيه نحلة الذي يزور الرياض حاليا. من أعمال الحجيلان