حينما تضيع القيم النبيلة ويتلاشى الوازع الديني من النفوس الضعيفة يتنامى الحسد ويتضخم حتى يغدو كغول بشع أول من يفترس صاحبه نفسه .. قال الشاعر : اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله ولقد أصبحنا نرى الكثير فى هذا الزمن يتجاهلون ما يملكون وينسون ما بين أيديهم ليتطلعوا بغيظ وغل إلى ما في أيدي الآخرين يستكثرونه عليهم ويتمنون زواله وفى أحسن الأحوال يتمنونه لأنفسهم .. قال تعالى " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " ( النساء : 54) 0 إنهم يعترضون على حكم الله عز وجل (الحق العدل) الذي قسم الأرزاق والحظوظ والنجاحات بين الناس لحكمة لا يعلمها سواه ولكل مجتهد نصيب .. لذلك فإن الحاسد تتغلغل الغيرة داخل نفسه تزيدها إحباطاته اليومية وفشله وغيظه فتتحول إلى حقد وحسد مذموم يوجه بسهامه نحو الناجحين من الناس فيحصى عليهم أنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم يترقب أى خطأ منهم ولو بسيطا لتتفجر عوامل حقده الدفين وسهامه التى ستعود إليه لا محالة ليصبح أحد أعضاء حزب أعداء النجاح .. وهم كثر والحمد لله .. مساكين أعداء النجاح .. عيونهم على غيرهم ، كلها حقد وحسد ! لقد نسى هؤلاء أن الله قد خلق لكل إنسان طريقا ، وأعطاه من الإمكانات والمواهب والقدرات والملامح التي هي بصمة خاصة لا تتكرر .. وحدد له بهذه البصمة مسعى خاصا يصل الى قمة خاصة .. لكن عيون الكثيرين لا تصبر حتى تستغل هذه الإمكانات وتحقق نجاحها الذي هي أهل له فتنظر الى نجاحات الآخرين .. وتظن إنها الأولى به .. دون عمل أو جهد أو استحقاق .. وتحاول أن تسرق نجاحات الآخرين ، فإذا لم تستطع فإنها تقلل من شأنه وتطلق عليه شرورها ، ثم تحيطه بعيون حمراء حسودة وتتمنى زوال هذا النجاح .. ان أعداء النجاح يكثرون فى المستنقعات ، ويزدادون فى الأقبية ، وتتضاعف أعدادهم فى الممرات المظلمة ، ويتكاثرون فى الغرف الضيقة .. ذلك أنه في تلك الأماكن غير الطبيعية فإن العمل والجهد والاجتهاد ليست هي القيم السائدة ، وإنما النهب والخطف والسرقة والحسد .. فالعيون في هذه الأماكن لا تحسن الرؤية ، والأيدي تتخبط، والعقول لا ترى أبعد من أمتار .. لا يدركون أن القمة فيها متسع للجميع ، وأن السماء تحوي كل النجوم, وأن المنافسة الشريفة تعني العمل الدؤوب مع احترام الطرف الآخر وعدم إيذائه .. يغيظهم نجاح الآخرين لأنهم لا يملكونه ولأن قوانينهم السائدة غير طبيعية ، قال تعالى (أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) (محمد - 29).. أما عندما تكون علاقات الناس طبيعية.. وإمكاناتهم تجد طريقها للعمل والجد وتحقيق ما تملك وتقدر على تحقيقه .. فإن أعداء النجاح يمتنعون .. لأنهم يجدون نجاحاتهم بين أيديهم ونصب عيونهم .. أقول لهم .. لأعداء النجاح هؤلاء .. لقد خلقكم الله ولكل واحد منكم طريقه ، ورزقه وحدد له بإمكاناته قمة يصل اليها .. وعليه أن يكون سعيدا ، وراضيا بها ، فالسعادة لا حد لها ، ولا مواصفات .. فرب رجل تطير به سعادته فوق الآفاق ، وترفرف أجنحة رضاه على العالمين لأنه استطاع أن يؤدي عباداته في شهر رمضان على الوجه الأكمل صياماً وقياماً ، ورب امرأة زغرد قلبها وصفق بين جنبيها لأن طفلها الصغير ابتسم وشفى من مرض عذبه وعذبها ثلاث ليال متتاليات .. فالسعادة مع وجود الرضا بما قسمه الله هى قمة السعادة التى لن يعرفها إلا السعداء الراضون القانعون.. أما أولئك أصحاب النفوس الحاسدة والعيون الزائغة على ما فى أيدى الآخرين والمتربصين بهم فستدور بهم الدوائر .. أقول لهم ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .. أيضا قول الشاعر :==1== أيا حاسدا لى على نعمتى==0== ==0==أتدرى على من أسأت الأدب أسأت على الله فى حكمه==0== ==0==لأنك لم ترض لى بما وهب فأخزاك ربى بأن زادني==0== ==0== وسد عليك وجوه الطلب==2==