لم يتمكن ملايين المصلين العراقيين من الوصول الى المساجد ليل الثلاثاء الماضي لقضاء ليلة القدر بعد ان منعت الحكومة العراقية المؤقتة التجول بعد الساعة العاشرة مساء في كافة انحاء بغداد . وفيما جاء قرار الحكومة المؤقتة بمنع التجول متزامنا مع اقتحام مدينة الفلوجة وخوفا من رد فعل شعبي ضد العملية يستهدف القوات الامريكية وعناصر الشرطة والحرس الوطني في بغداد ، خلت المساجد والجوامع العراقية لاول مرة في تاريخ بغداد منذ تأسيسها في العصر العباسي من آلاف المصلين وظلت مغلقة بعد صلاة العشاء ، وهو ما اثار استياء كبيرا لدى ابناء الشعب العراقي . ورغم ان منع التجوال كان ساريا في العام الماضي بعد احتلال القوات الامريكية للعراق الا انه رفع خلال شهر رمضان وكان اول رفع له بعد اشهر من تنفيذه ، الا ان القرار يأتي هذه المرة ووفق تحليل بعض رجال الدين والعراقيين بصورة عامة خوفا من ردة الفعل في المساجد ضد القوات الامريكية التي اتخذت هذا القرار واوحت به الى الحكومة المؤقتة كما يردد ذلك كثير من العراقيين . وخلال ليلة القدر التي مرت في جميع العالم الاسلامي معطرة بالصلاة وبتلاوة القرآن الكريم في المساجد ظلت بغداد تختلف تلك الليلة ليس فقط عن العالم الاسلامي بل عن تاريخها الذي قضته في ظل الاسلام . وكانت مدينة الفلوجة ذات الثمانين مسجدا هي من اكثر مدن العراق احياء لليلة القدر في مثل هذا الوقت من كل شهر رمضان عبر تاريخها ، الا ان اصوات القنابل والانفجارات والطائرات والقصف المدفعي الكثيف ترك هذه المدينة تحيي ليلتها بالخوف ونقل الجرحى ولم اشلاء الضحايا، وكانت تسمع من كل مكان في المدينة والمدن والقرى القريبة منها اصوات القصف بدل اصوات المآذن التي عرفتها طيلة القرون الماضية . بغداد التي لم تعرف النوم طوال تاريخها في مثل هذه الليلة ، سمعت فقط اصوات الدبابات الامريكية وهي تسير في الشوارع بحثا عمن يخرقون حظر التجوال ، الذي استمر حتى ساعات الفجر قبل الصلاة بدقائق فيما كان سكون الليل يخيم على كل شيء تاركا الناس في بيوتهم يؤدون الصلاة ويرفعون الدعاء مبتهلين لله ان يرفع عنهم غمة الاحتلال وما جره عليهم من ويلات . وما زال الناس في بغداد يتخوفون من احتمال استمرار حظر التجوال ليلا حتى العيد خاصة وان الحكومة اعلنت هذا الحظر واشارت الى انه يستمر الى اشعار آخر دون ان تحدد موعدا لرفعه . ومع ان ليلة القدر مرت دون ان يذهب الناس الى مساجدهم ظل دعاء العراقيين يرتفع من اجل ان يحفظ الله ابناء مدينة الفلوجة من اطفال ونساء وشيوخ وان يعزز صمود اهلها في مواجهة اكبر عملية حرب في التاريخ تشنها اضخم قوة في العالم وباحدث الاسلحة ضد مدينة صغيرة لا تملك غير الصمود والبكاء والدعاء .