دبت الحياة قليلا في بغداد بعد يومين من الاضراب الذي دعت اليه هيئة العلماء المسلمين والذي حول العاصمة العراقية الى مدينة مقفرة بعد نشوب مواجهات دامية فيها بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال ، فيما كانت الاعظمية قد شهدت حصارا دفع الكثير من سكانها الى مغادرة منازلهم بعد ان تحولت شوارعها الى ساحة معركة ضد القوات الامريكية قبل ان يعود الهدوء اليها امس الاثنين على استحياء وحذر شديد. فمع صباح السبت الماضي كانت العاصمة العراقيةبغداد قد بدت اشبه بمدينة اشباح بعد ان خلت شوارعها من السيارات الا القليل ، واغلقت الاسواق ابوابها فيما توقف العمل في اغلب المؤسسات الحكومية ، وانقطع الطلبة عن مدارسهم وجامعاتهم استجابة لدعوة من هيئة علماء المسلمين في العراق للاضراب لمدة ثلاثة ايام استنكارا للمجازر التي ترتكبها القوات الامريكية ضد اهالي الفلوجة والمدن الجنوبية العراقية . وخلال جولة ل (اليوم ) في بغداد شاهد مراسلها توقف النشاطات الاقتصادية واغلاق المحلات والمرور القليل للمركبات بكافة انواعها فيما كانت شوارع بغداد قد خلت بشكل شبه كامل من رجال الشرطة الذين غادروا مواقعهم خوفا من عمليات انتقام ضدهم مع تأزم الوضع وتصاعد المواجهات المسلحة بين العراقيين والقوات الامريكية . وفيما سحبت القوات الامريكية دورياتها من الشوارع ومراكز الشرطة بدت مراكز الشرطة شبه مغلقة فيما يشير بعض العراقيين ان كثيرا من عناصر الشرطة لم يعودوا الى دوائرهم منذ عدة ايام في شبه اجازة طويلة منحوها لانفسهم مع اشتداد التوتر في مدن العراق . وطيلة يومي السبت والاحد حتى صباح الاثنين ظلت مدينة بغداد دون نوم بسبب كثافة الانفجارات ودوريات الطائرات الحربية والمروحية في سماء المدينة ، بينما كانت المنطقة الخضراء التي يقع فيها القصر الجمهوري ويتخذها الامريكان مقرا لسلطتهم تتلقى الضربات الصاروخية طيلة الليل ، في وقت عمد فيه المقاومون العراقيون الى قطع الطريق الذي يربط بين اطراف بغداد ومدينة الفلوجة عبر طريق ابو غريب الذي شهد وما زال هجمات مكثفة استهدفت ارتال القوات الامريكية المتوجهة الى الفلوجة لمحاصرتها وتعزيز القوات الامريكية هناك . وفي هذا الطريق تناثرت انقاض الآليات الامريكية المحترقة بعد ان تم تدمير واعطاب اكثر من عشرين آلية عسكرية امريكية وصهاريج وقود وشاحنات تموين كانت متوجهة لمساعدة الجيش الامريكي الذي يحاصر مدينة الفلوجة فيما تم تدمير عدة مدرعات ودبابات على هذا الطريق الذي سيطرت عليه المقاومة العراقية فيما امتدت العمليات الى الاحياء القريبة من هذا الطريق و التي شهدت هجمات مكثفة ضد القوات الامريكية التي تحاول تأمين مرور آلياتها فيه ومنع المتسللين من الوصول اليه ، بينما اصبح شارع المطار في بغداد اشبه بشارع موت حيث يختبئ المقاومون على جوانبه لاستهداف اية آلية امريكية بعد ان منعت القوات الامريكية المرور فيه وحولته الى طريق عسكري . وما زالت الحياة في بغداد حياة ترقب وخوف فالطريق منها الى مدينة الفلوجة ما زال طريقا للموت بعد ان سيطر مقاومون عراقيون عليه لمنع الامدادات التي تصل الى القوات الامريكية التي تحاصر الفلوجة . ( اليوم ) حاولت الاقتراب الى هذا الطريق والوصول الى منطقة ابي غريب التي اضحت محطة استقبال النازحين من اهالي الفلوجة الذين فروا بسبب القصف المكثف عليها مستغلين ساعات الهدنة التي بدأت مع صباح يوم الاحد. ومنطقة ابو غريب قرية صغيرة تتوسط الطريق بين بغداد والفلوجة وهي الى بغداد اقرب وتنعم بالبساتين الخضراء لم تكن هي الاخرى اقل جرحا من الفلوجة ، بعد ان اتخذ منها افراد المقاومة محطة لمنع تدفق الامدادات الامريكية الى الفلوجة ، ما جعلها هي الاخرى هدفا مهما للطائرات الامريكية والمواجهات المسلحة المتقطعة ، لذلك فان اغلب الذين نزحوا من الفلوجة وصلوا الى هذه المنطقة عبر طرق ترابية ضيقة ومتعثرة ، وسلكوا طرقا وعرة اخرى في طريقهم الى بغداد متجهين الى منطقة الشعلة الشيعية في اطراف بغداد الغربية التي ترتبط مع ابو غريب بطرق عبر البساتين والمزارع . ومنذ ساعات صباح الاحد حيث بدأت الهدنة وبعد هدوء حذر في الفلوجة تمكنت بعض العائلات التي تركت بيوتها واثاثها واغلى ما تملك من الهروب من الفلوجة ، مع ساعات الفجر ، كان هناك نساء واطفال وشيوخ ومرضى غادروا المدينة متجهين عبر الصحراء الى بساتين ابو غريب اقرب المناطق الى الفلوجة باتجاه بغداد ، في وقت هرب آخرون شمال الفلوجة باتجاه الانبار وحديثة وهيت والحدود الاردنية . القادمون المتعبون وكما يقولون تركوا المدينة بعد ان طلبت منهم المقاومة ذلك لكي لا تجبرهم القوات الامريكية على تقييد اسلحتهم في مقاومتها خوفا على الاطفال والنساء الذين سقط منهم المئات في الايام الماضية بعد ان استهدفتهم الطائرات الامريكية بالصواريخ والقت عليهم اطنانا من القنابل العنقودية المحرمة دوليا كما يقولون . وذكر بعض النازحين ل (اليوم) انهم واجهوا حواجز امريكية كثيرة انتظروا فيها عدة ساعات قبل الوصول الى ابو غريب ، وقد قطعوا المسافة التي لا تتجاوز 50 كيلو مترا في اكثر من عشر ساعات . ويروي النازحون انهم وجدوا آلاف الناس بانتظارهم وقد وفر لهم ابناء العشائر الغذاء والدواء واعد الاهالي لهم الطعام ومكان المبيت وطلبوا منهم عدم المغادرة ليلا حتى استقرار الامور فيما كانت اللافتات والهتافات تحيي صمودهم الكبير في وجه الاحتلال وسلاحه الحديث . ابو غريب التي لم تسلم من القصف كانت مكانا آمنا تقريبا بعد ان منع اهلها القوات الامريكية من العبور خلالها الى الفلوجة ، ورغم ان مواجهات كانت تجري على الطريق السريع المؤدي الى الفلوجة ، الا انها كانت بعيدة عن طرق النازحين الذين تجمع حولهم الناس من بغداد ومدن عراقية اخرى لمعرفة تفاصيل ما جرى في الفلوجة في الايام الماضية بعد القصف الذي كان اخر ما في جعبة الامريكان بعد ان فشلت تلك القوات في اقتحامها وسلب ارادتها مما اضطرها الى قبول الهدنة .