في أول ثلاثاء من شهر نوفمبر كل أربع سنوات، يقرر الشعب الأمريكي رئيسه الجديد وبه يتقرر مصير الكثير من القضايا في العالم. وينطبق غدا الثلاثاء على هذا الموعد الدستوري، الذي يلتقي فيه رئيسان يتنافسان بشدة، الجمهوري جورج بوش الذي فاز في المرة الأولى بالعد اليدوي لأصوات الناخبين في عدة مناطق ورفع الأمر الى القضاء ليبت في من يحكم البلاد، والديموقراطي جون كيري الذي لم يأل جهدا في محاولة إقناع الناخبين بأنه الأجدى لأن يكون الرئيس الرابع والأربعين لقيادة الولاياتالمتحدة.وتبدو الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم منقسمة اكثر من اي يوم مضى، وسط قلق شديد من احتمال تكرار الفوضى التي سادت في العام 2000. ويقوم المرشحان الى الانتخابات الجمهوري جورج بوش والديموقراطي جون كيري بزيارات متكررة الى الولايات التي لم يحسم الاتجاه فيها بعد ويطلق الفريقان رصاصاتهما الاخيرة وينفقان اموالا طائلة تصل الى تسعة ملايين دولار يوميا، بحسب بعض التقديرات. واذا كانت الحملة التي سبقت اعادة انتخاب الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في 1996 تميزت بنوع من عدم الحماس، فهناك حمى انتخابية استثنائية سائدة في 2004. وقد اصابت الحمى موجات الاذاعات والشاشات الصغيرة، وكذلك ملاعب المدارس والحدائق الهادئة في ضواحي المدن مرورا باماكن العمل. حتى انه تم تشخيص مرض جديد وغريب اطلق عليه اسم بيد وهي الاحرف التي تختصر بالانكليزية عبارة بري الكشن انكسيتي ديزوردر (عوارض قلق ما قبل الانتخابات)، وقد بدأ ينتقل الى عدد متزايد من الأمريكيين. وقال احد الناخبين ردا على سؤال لشبكة ايه بي سي الأمريكية اشعر ان ضغط الدم لدي يرتفع مع اقتراب الانتخابات. واضاف اشعر بكل بساطة بالرغبة باطفاء التلفزيون، بعد ان طفح الكيل. ووضعت احدى المعالجات النفسيات المعروفات ماري بيفر وصفا لما سمته السيد أمريكا في العدد الاخير من مجلة بسيكوتيرابي نتوورك المتخصصة. وكتبت في هذا الاطار ان المريض يبدو قلقا ومتعبا ويسعى الى تلقي العلاج بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 تسببت له باضرار جسدية خطيرة ومعاناة نفسية كبيرة. واضافت ان هذه المأساة اعادت فتح جراح صدمات سابقة بينها بيرل هاربر وفيتنام واعتداء اوكلاهوما سيتي. وتنصح الاختصاصية بعلاج لازالة التسمم الزائد بالتلفزيون والاعلانات معتبرة ان على السيد أمريكا ان يتصالح مع ماضيه ومع تاريخ العالم وان يتعلم كيف يقبل باخطائه. ورأى كارول دوهيرتي من مركز بيو ريزرتش سنتر للابحاث ان انقسام أمريكا مرده في جزء منه الى الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي يعتبر شخصية تجذب الرأي العام بقوة. وقالت ليندا فولر من معهد دارموث كوليدج في نيوهمشير من جهتها ان الجمهوريين اثاروا عداء كبيرا ضدهم بين النخبة الثقافية الأمريكية في الساحل الشرقي لكن ايضا في الساحل الغربي. واضافت لوكالة فرانس برس لا يمكننا التكلم عن حرب طبقات بكل معنى الكلمة، انما عن هوة ثقافية. وهذا ما يفسر اقدام مجلة نيويوركر العريقة التي مر على انشائها ثمانون عاما، وللمرة الاولى في تاريخها، على اعلان تأييدها مرشحا الى الرئاسة داعية الى التصويت لجون كيري. وفيما اختفت عشرات آلاف بطاقات الاقتراع (التي يستخدمها الناخبون في يوم الانتخابات) من فلوريدا معززة المخاوف من تكرار الفوضى التي حصلت في انتخابات 2000، تستعد فرق عديدة من المتطوعين والمراقبين وانصار الطرفين لاجتياح الولايات التي من شأن نتيجة الانتخابات فيها ان تلعب دورا حاسما. ويقول الخبراء انه تم توكيل عشرين الف محامي حتى الآن والشكاوى امام القضاء تتزايد بينما تزداد الخشية من ان يلعب القضاة كما قبل اربع سنوات، دورا حاسما في اختيار الرئيس. ورأى كارول ان الرأي العام في سنة 2000 اظهر تسامحا لم يكن متوقعا بعد قرار المحكمة العليا اعلان بوش فائزا في الانتخابات. واضاف لكن اذا تكرر ذلك هذه المرة، فستكون هناك مرارة اكثر وشكوك اكثر. وافاد استطلاع للرأي نشر اخيرا في مجلة تايم ان 48% من الأمريكيين يعتقدون باحتمال فوز مرشح بطريقة غير قانونية بينما ابدى 56% استعدادهم للموافقة على الغاء نظام الاقتراع غير المباشر (القائم على اختيار كبار الناخبين للرئيس الأمريكي). وتشكل الغالبية الجمهورية الضئيلة في مجلس الشيوخ واحتمال استمرارها او سقوطها الرهان الرئيسي للانتخابات التشريعية الأمريكية التي تجري بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في الثاني من نوفمبر. فالجمهوريون يتمتعون بكل الفرص في الحفاظ بسهولة على غالبيتهم في مجلس النواب حيث يتفوقون حاليا على الديموقراطيين ب 22 مقعدا، مفيدين بذلك من الاستقرار الكبير الذي يسود هذه المؤسسة. وكل اعضاء المجلس يجددون ترشيحهم كل سنتين وينتخبون لولاية جديدة بمعدل يقارب 95% بشكل عام. وقال الخبير السياسي توماس مان من معهد بروكينغز ان مجلس الشيوخ الذي يتوزع حاليا بين 51 مقعدا للجمهوريين و48 للديموقراطيين اضافة الى عضو مستقل يصوت عادة مع الديموقراطيين، لن ينتقل الى المعسكر الديموقراطي الا بانتصار مريح بفارق نقطتين او ثلاث نقاط لجون كيري. ونتيجة كهذه يمكن ان تثير موجة حقيقية مؤيدة للديموقراطيين في البلاد. لكن في حال سادت منافسة شديدة الانتخابات الرئاسية كما تنذر به استطلاعات الرأي، يعتقد مان ان مجلس الشيوخ سيبقى تحت سيطرة الجمهوريين. وذكر تأكيدا على ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده اخيرا ان الانتخابات التي تجري هذه السنة لتجديد 34 من اعضاء مجلس الشيوخ تنظم في مناطق معادية للمصالح الديموقراطية في دوائر فاز فيها الرئيس جورج بوش عام 2000 ويقع معظمها في الجنوب الأمريكي المحافظ تقليديا. واذا ما حقق جون كيري فوزا بفارق كبير على بوش في الثاني من نوفمبر، فان ذلك قد يؤدي بنظر المحلل الى انتقال عدد من المقاعد الى الديموقراطيين. ويمكن ان يحدث ذلك خصوصا في كولورادو حيث يواجه ثري جمهوري على رأس شركة ضخمة نائبا محليا ديموقراطيا، وفي الاسكا حيث وجهت اتهامات الى ابنة السناتور الجمهوري السابق بممارسات تقوم على المحسوبية. اما بالنسبة الى مجلس النواب فرأى مان ان ثلاثين مقعدا على ابعد تقدير تدور منافسة حقيقية عليها من اصل 435 مقعدا، مشيرا الى انه يتحتم ان ينتقل 12 مقعدا الى الديموقراطيين من اجل تبديل الغالبية. ورأى ان هذا الاحتمال غير ممكن الا في حال حصول موجة هائلة من التأييد للديموقراطيين تمر عبر فوز جون كيري بتقدم خمس او ست نقاط على بوش. فخلافا للافكار السائدة، يتمتع الحزبان الجمهوري والديموقراطي بنفوذ كبير في الولاياتالمتحدة على حد قول الخبير السياسي ومن النادر ان تختلف خيارات الناخبين في الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية. وقال ان احزابنا باتت تستقطب الناخبين تبعا لايديولوجيتها وموحدة في الداخل ، ما يجعل الناخبين يرون العالم بطريقة مختلفة طبقا لقراءتهم السياسية له. وفي هذا الاطار، يدلي الناخبون باصواتهم طبقا لخط الحزب. وفي حال اعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش، فقد يواصل على الارجح ممارسة الحكم كما يفعل منذ سنتين، بدعم قوي من مجلس النواب ودعم اقل قوة من مجلس الشيوخ. اما في حال انتخاب كيري، فسيضطر الى مواجهة هيمنة الحزب المعارض لحزبه على احد مجلسي الكونغرس على الاقل. وفي عهد الرئيس الجمهوري السابق بيل كلينتون، لم يسيطر حزبه على مجلسي الشيوخ والنواب الا في السنتين الاوليين من ولايته بين 1993 و1995. وشهدت الانتخابات التشريعية في 1994 فوزا كاسحا للحزب الجمهوري الذي زاد عدد اعضائه تسعة في مجلس الشيوخ و54 في مجلس النواب، مستعيدا الغالبية للمرة الاولى منذ انتخابات 1952. وبقي مجلس النواب منذ ذلك الحين تحت سيطرة الجمهوريين، فيما عرف مجلس الشيوخ غالبية ديموقراطية وجيزة بين حزيران يونيو 2001 ونهاية 2002.