سماحة الشيخ محمد بن سلمان بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد الهاجري يرجع نسبه الى القبيلة العربية المعروفة (الهواجر) والمنتشرة في شبه الجزيرة العربية. ولد في الهفوف 10/ 3/ 1340ه وفيها نشأ وترعرع, تلقى بداية التعليم (المطوع) على يد احدى المؤمنات, وتلقى مبادئ الكتابة على يد المغفور له بإذن الله الشيخ احمد البو علي, درس المقدمات الحوزية على يد الشيخ الميرزا علي الحائري الاحقاقي في سنوات تواجده في الاحساء هاجر الى حوزة كربلاء في عام 1365ه, وفيها درس السطوح على ايدي اساتذة معروفين بالفضل والأهلية. والتحق بدروس البحث الخارج وعندما انهى البحث الخارج مارس الشيخ الهاجري التدريس في كربلاء, لجملة من المتون الحوزية مثل اللمعة والقوانين والرسائل, كما انه قام في كربلاء بالقاء دروس البحث الخارج على مجموعة من طلاب العلم, وذلك على كتاب تبصرة المتعلمين وعندما عاد الى الاحساء باشر في القاء الدروس في حوزته(في بيته الكائن بالهفوف) على جمع من طلاب العلم الاحسائيين, في السطوح, فدرس المكاسب والرسائل والكفاية. وفي عام 1411ه شرع في القاء البحث الخارج في منزله حتى مرضه وقبل وفاته في يوم الاثنين من شهر رجب لعام 1425ه. ومن مؤلفات الشيخ الهاجري: رسالة البيع (غير تامة) ورسالة حقوق الوالدين (فقهية استدلالية مبسوطة) ورسالة في عدم التقدم على الامام في الصلاة(من فقة الصلاة) ولم تزل هذه الرسائل مخطوطة, وليست مطبوعة. ويسعدنا في (اليوم) ان نقدم لمحة عن حياة سماحته ومآثره في القضاء والحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتعليمية وسعيه الدائم الى وحدة الصف خلف القيادة الحكيمة وادارة الأزمات بحكمة وروية ونرصد بعض الأقوال فيه من اثنين من أبنائه وبعض المشايخ الذين تتلمذوا على يديه وبعض الملازمين له في حياته وذلك وفق ما يلي: السيرة الذاتية نسبه: هو الشيخ محمد بن الحاج سلمان بن محمد بن عبدالله بن عيسى بن محمد الهاجري الاحسائي. علامة فاضل جليل القدر وفقيه مجتهد من المعاصرين. اسرته آل هاجر من الاسر البارزة في الاحساء, وموطنهم في مدينة الهفوف, وقد اصبح لهم شأن ومكانة سامية ببروز الشيخ الهاجري رحمه الله الذي هو فخر هذه الأسرة ورمز عزها وشرفها. مولده ونشأته: ولد رحمه الله في مدينة الهفوف عاصمة الاحساء بتاريخ (3 شوال 1340) وبها نشأ وترعرع وله ابوان كريمان تربى في كنفهما احسن تربية, وغرسا في قلبه روح حب أهل البيت عليهم السلام فنشأ من رحم هذه الاجواء الطيبة عالما فذا أديبا صادقا يشار اليه بالبنان. حياته سافر الى العراق لاول مرة لطلب العلم سنة (1365ه) وكان حينها متزوجا وله من العمر حوالي 21 عاما, وبعد سنتين قضاهما في مدينة كربلاء بعيدا عن اهله عاد الى الاحساء ليصطحبهم معه, ومكث في الاحساء حدود سنة ونصف قبل أن يرجع الى كربلاء مع زوجته سنة 1369ه تقريبا. وبقي في كربلاء مشتغلا بالعلم والبحث والتدريس اكثر من عشرين عاما. وبعد أن اخذ بغيته من العلم ونال القدح المعلى فيها عاد الى وطنه ومسقط رأسه في مدينة الاحساء ليقوم بواجبه بتدريس الشريعة ونشر العلم, وكان ذلك حدود عام 1389ه ولا يزال منذ ذلك الحين وحتى عامنا هذا (1416ه ) مشغولا بالإرشاد والتدريس ورفع هموم الناس وحل مشاكلهم. ويمتاز سماحة الشيخ رحمه الله عن كثير من العلماء رغم مقامه العلمي وكبر سنه بتواضعه واحترامه لكل واحد ويشهد له الجميع بطيب الاخلاق ولين العريكة والبساطة وسماحة النفس, وعرف عنه حب اثارة المسائل العلمية وتحريك الجو العلمي, قال السيد عباس الكاشاني (حفظه الله) انه ابان كان السيد الكاشاني في كربلاء كان يقيم المجلس الحسيني مجلسين في الأسبوع كان الشيخ محمد الهاجري رحمه الله أول من يحضر المجلس وآخر من يخرج منه وطيلة فترة حضوره وهو يثير النقاش في المسائل الفقهية والأصولية. وكان كلما حضر مجلسه بعض أهل العلم يشعر بالضيق والحرج من اثارة المسائل العلمية ويتحاشى البعض الاحتكاك بالشيخ في المجالات العلمية. سجاياه الاخلاقية ومن سجاياه الزهد والتقوى والتواضع والبساطة في العيش والأنس بالقرآن, ومن صفاته ايضا العبادة الكثيرة والورع. ينقل أحد تلامذته انه من شدة ورعه كان يرفض الحقوق الشرعية مع انه يستحقها. تحصيله العلمي: بعد أن أتقن قراءة القرآن الكريم لدى إحدى المعلمات في بلاده تعلم القراءة والكتابة عند المغفور له الشيخ احمد آل بو علي الاحسائي, ثم قرأ العلوم العربية ومبادئ الفقه والأصول وعلم الكلام على يد الشيخ ميرزا علي بن ميرزا موسى الحائري الاسكوئي المتوفى 1386ه الذي كان يقيم حينها في الاحساء. وبعد أن أنهى المقدمات توجه الى العراق لمواصلة الدرس والتحصيل, وله من العمر(21) عاما فنزل كربلاء سنة (1365ه) وحضر فيها دروس السطوح ثم أبحاث الخارج لدى لفيف من كبار العلماء وخيرة الأساتذة, وتقدر فترة إقامته في كربلاء مشغولا بالدرس والتدريس والتأليف بحوالي 24 عاما. مقامه العلمي لقد تخطى الشيخ الهاجري مدارج العلم ووصل الى مراتب عالية فيه بسرعة متميزة, وفاق بوضوح الكثيرين من أقرانه فأًصبح في كربلاء من أفاضل العلماء خصوصا في الوسط العربي وكان زميله في المباحثة السيد محمد المهدي الحسيني الشيرازي, ومع أستاذه في الكفاية والرسائل الشيخ علي بن الشيخ محمد ال عثيان. تدريسه كان في مدينة كربلاء يلقي الدروس على عدد من الطلبة والفضلاء, ومن الكتب التي درسها كتاب (شرح اللمعة) وكتاب (القوانين) وكتاب (الرسائل) والقى هناك خارج الفقه على ضوء كتاب (التبصرة) كما ألقى دروسا في علم الرجال. ولما عاد الى مدينة الاحساء واصل نشاطه العلمي والتدريسي منذ ان عاد اليها حدود عام 1389 ه , حيث أسس في داره حوزة علمية خاصة, كانت فيها عدة حلقات للدرس, بعضها يدرس فيها بنفسه والبعض الآخر يقوم بالتدريس فيها تلامذته. وخلال 27 عاما من عودته الى الاحساء وحتى وفاته قام الشيخ بتدريس مختلف الدروس , وتخرج على يديه الكثير من طلبة الاحساء وغيرهم. منذ سنة 1411ه تقريبا بدأ الشيخ(رحمه الله) يلقي أبحاث الخارج في الفقه بمنزله في مدينة الهفوف صباح كل يوم, كما أن للشيخ أثرا معنويا كبيرا على العلماء والطلبة. تلامذته في مدينة كربلاء: 1 السيد مصطفى اعتماد الحائري, الذي يعتبر من كبار الأساتذة وله شرح مطبوع على الكفاية. 2 السيد صادق الحسيني الشيرازي, شقيق السيد محمد الشيرازي, له عدة مؤلفات منها كتاب بيان الأصول ومنها تعليقه على العروة الوثقى وتعليقه على الشرائع وتعليقه على تبصرة المتعلمين. 3 السيد محمد تقي المدرسي, له عدة مؤلفات منها درر في تفسير القرآن ومنها التشريع الإسلامي والفقه الإسلامي وغيرها. 1. السيد هادي المدرسي, له عدة مؤلفات منها كتاب الصداقة والأصدقاء وغيرها. 2. الشيخ ابراهيم نصر الله السوري النبلي, أحد علماء ناحية (نبل) التابعة لمحافظة حلب في سورية. 3. الشهيد السيد حسن الشيرازي له تأليفات قيمة منها موسوعة الكلمة ومنها حديث رمضان. 4. السيد مجتبى الشيرازي وغير هؤلاء من التلاميذ, تلامذته في مدينة الاحساء هم: 1 السيد هاشم السيد محمد الحسن 2 السيد حسين بن السيد محمد بن السيد حسين العلي. 3 السيد عبد رب الامير بن العلامة السيد ناصر السلمان. 4 الشيخ حبيب الهديبي. 5 الشيخ نجيب الحرز, احد خدام المنبر الحسيني. 6 الشيخ حجي السلطان. 7 الشيخ محمد الشهاب 8 الشيخ يوسف الشقاق 9 الشيخ عبد الامير الخرس 10 الشيخ أمين البقشي 11 الشيخ حسين الشرقي 12 الشيخ مسلم الحرز. 13 السيد هاشم الصالح. وغير هؤلاء من التلاميذ. وفيما يلي ننشر آخر حوار للشيخ الراحل أساتذة الشيخ @ من اشهر أساتذتكم في المدرسة الكربلائية؟ واشهر تلامذتكم فيها وكذا في الاحساء؟ اشهر أساتذتي في كربلاء هم: العلامة الشيخ على العثيان حضرت عنده (الكفاية) و(الوسائل) العلامة الشيح محمد علي التبريزي الأذربيجاني حضرت عنده (قسم الخيارات من كتاب المكاسب) الشيخ محمد الخطيب حضرت عنده (القوانين) الشيخ يوسف الخرساني حضرت عنده خارج الفقه والسيد محمد هادي الميلاني اما اشهر تلاميذي هناك فهم السيد صادق الحسيني الشيرازي (بحث خارج) السيد محمد تقى المدرسي, الشيخ ابراهيم نصر الله السوري النبلي (بحث خارج) السيد حسن الشيرازي, السيد مجتبى الشيرازي, أما في مدينة الاحساء, فاشهر تلامذتي: السيد هاشم محمد الحسن, السيد حسين السيد محمد العلي, السيد عبد الأمير السلمان, الشيخ حبيب الهديبي, الشيخ عبد الوهاب الغريري (رحمه الله) الشيخ حجي السلطان, الشيخ يوسف الشقاق, الشيخ حسين الشرجي, الشيخ مسلم الحرز, الشيخ محمد الشهاب, وغيرهم. الاجازة بالاجتهاد @ ممن اجيز الشيخ بالاجتهاد؟ اجزت من قبل الشيخ يوسف الخرساني وعبد الله الشيرازي. القضاء جزء من العلم @ سماحة الشيخ الهاجري اين تجد نفسك في القضاء ام في دراسة العلم؟ ام في كليهما معا. ولماذا؟ ان القضاء جزء من العلم بل هو جزء كبير منه وهو احد مهام الانبياء والقضاة أمناء الله على النواميس الثلاثة (النفوس, الأعراض, الأموال). كما أن مهنة القضاء بالرغم من اقتطاعها جزءا كبيرا من وقتي الا انني قد خصصت وقتا صغيرا صباحا لطلبة العلم للمحاورة والنقاش. القاضي والراحة @ نحن نعلم بأن القضاء هو الهاجس الأكبر الذي يشغل بال الشيخ محمد الهاجري في منطقة الاحساء ولكننا نتساءل @ متى يشعر القاضي بالراحة الحقيقية؟ قد يشعر القاضي بالراحة إلا ان القاضي اذا أرضى ربه ودينه, كان له ذلك سعادة حقيقية وراحة أبدية. المحاذير الدنيوية @ سئل احد العلماء في منطقتنا عن سبب امتناعه عن تولي القضاء فاجاب:(الخوف من المحاذير الدنيوية من جهة والأخروية من جهة أخرى عامل مهم في ابتعادي عن هذا المنصب) ما تعليقكم؟ ولماذا في رأيكم يبتعد كثير من العلماء في منطقتنا عن القضاء؟ ان للقضاء ونفوذ الحكم في فصل الخصومات بين الناس منزلة رفيعة ومقاما منيعا. وبه يرد الحق الى اهله واذا حكم الحاكم الجامع للشرائط فالراد عليه والمتخلف عن اتباع حكمه راد على الله, الا ان القضاء في بعض الاحيان يكون جالب متاعب لصاحبه في الدنيا, فقد جاء في الحديث (من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين). واما خطر القضاء فخطير لأن عثرة القاضي لا تقاس فقد جاء في الرواية عن الامام علي رضي الله عنه: (القاضي على شفير جهنم ولسان القاضي بين جمرتين من نار) ولذا ترى الفقهاء يتورعون من الحكم ويفصلون الخصومات غالبا بالصلح. قبول القضاء @ ما الذي اجبركم على قبول القضاء؟ في بداية الامر كنت ممانعا وغير راغب لهذا التكليف وحاولت حذف الامر عني ووجهت المتخاصمين لبعض العلماء امثال السيد طاهر السلمان والشيخ محمد اللويمي و السيد على الناصر الا ان رفض هؤلاء العلماء واصرار المتخاصمين اضطرني الى الموافقة في نهاية الامر. قضايا المحاكم @ يلجأ الناس الى القضاء لحل مشاكلهم وقضاياهم المتأزمة هل استطاع القضاء في المحكمة الشرعية الجعفرية حل تلك القضايا ؟ وما نوع القضايا التي تحل من خلال المحكمة الجعفرية؟ يبذل القاضي جهده في هذا الامر محاولا الصلح ما أمكن وكثيرا ولله الحمد ما يتم ذلك بالرغم من قلة القضاة في المحكمة وكثرة المراجعين. واهم ما ننظر به قضايا المشاكل الزوجية والتصديق على حصر الإرث والولايات على الأوقاف ووقفها وقسمة الإرث وغيرها من الأمور. الطلاق والخلع @ الطلاق مسألة أرقت الكثير من العوائل في مجتمعنا, وهو آفة هدمت كثيرا من البيوتات ماذا قدم القضاء للتقليل من هذه الظاهرة غير الصحية في المجتمع؟ نعم أن الطلاق وللأسف الشديد هو مصدر ضياع للأسر وقد حاولنا جاهدين التقليل من هذه المشكلة ولكن بعض المراجعين الزوج والزوجة يعتقدان ان في تأخيرنا ضررا عليهما فلذلك يكونان رافضين لأي تأخير, كما اننا نستعين في بعض الاحيان ببعض الاخوة من المأذونين الشرعيين للنظر في الخلاف الواقع بين الزوجين وكثيرا ما يتم ذلك ايجابا. المشاكل الاسرية @ لماذا لم تستفد المحكمة من الكم الهائل من طلبة العلم في الاحساء, كأن تشكل منهم لجانا لدراسة المشاكل الاسرية, او لجانا لطرح الدراسات لبعض مشاكل الاسر على سبيل المثال؟ نعم أن المحكمة ليست في غنى عن دعم ومساندة طلبة العلوم الدينية والنظر في الاوقاف المهملة وحصرها وقد قام هؤلاء الطلبة بهذه المهمة الا ان التزام هؤلاء الطلبة ببعض مشاغلهم وارتباطهم منعهم من هذا الامر كما أنه من المعلوم ان القضاة ومن يساعدهم من طلبة العلوم ليس لهم مخصص مالي, مما يضطر البعض لعدم المواصلة لما يواجهه من صعوبات الحياة واحتياجاتها. تطوير محكمة الأوقاف @ ما الخطوات الفعلية في تطوير محكمة الأوقاف والمواريث في الاحساء؟ ان من أهم ما قامت به المحكمة من تطوير هو تعيين قاض مساعد وهو الشيخ محمد اللويم وهو مثال للنزاهة والورع وقد كلفه العمل في القضاء الكثير من وقته وصحته , ولا زلنا في طور التطوير وفي الأيام المقبلة ان شاء الله سيكون هناك المزيد من التطورات. كلمة لعلماء الدين @ كلمة توجهها الى علماء الدين وابناء المجتمع؟ علماء الدين: الى إخواني من علماء الدين عليكم بمواصلة طلب العلم والاهتمام به وتحمل مشاق وصعوبات الحياة من اجل الوصول للهدف قال تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اتوا العلم درجات) المجادلة: من الاية (11) أبناء المجتمع: عليكم بالتآخي والترابط والتماسك ونبذ الفرقة قال تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ال عمران: من الاية 103 قالوا عن الشيخ الراحل اجمع عدد من اصحاب الفضيلة الشيوخ والعلماء على ان الشيخ الهاجري كان احد الرموز المضيئة وقد عرف بالزهد والتقوى وجزيل العطاء. وأكدوا ل (اليوم) ان الشيخ الهاجري ظل طوال حياته يهتم بمجالس العلم والعلماء, وتميز في براعته على معالجة الكثير من القضايا الخلافية خاصة تلك التي تتعلق بالخلافات الزوجية. الموجه لنا جميعاً وقال الشيخ عبد الأمير أحمد الخرس ان الشيخ الهاجري كان بمنزلة الموجه للكثيرين، وقد استفدنا من علمه طوال السنوات الماضية، وكان على درجة عالية من العلم والتقوى والورع والزهد، وكان لا يأبه للألقاب، كما أنه تميز بالبساطة والعطاء في مجال العلم وقد أفاد بعمله جيلا من العلماء وله في دولة العراق تلاميذ وصلوا لمرتبة عالية ومنهم محمد تقى المدرسي السيد محمد هادي، ومن الموجودين في المملكة السيد عبد الأمير السلمان، الشيخ حجي السلطان، يوسف الشقاق، الشيخ حسين البوخمسين، وهناك تلميذ رافقه طيلة الفترة التي رجع فيها من العراق وهو الشيخ عبد الوهاب الغريري، وأضاف: حين عاد الشيخ إلى أرض الوطن بدأ في إنشاء حوزة علمية (بشكل مصغر) وبدأ بتدريس المقدمات والسطوح ولم يكن آنذاك أحد على درجة عالية من العلم حتى يشرع معه في أبحاث الخارج لما رأى أن هناك من تلامذته من تأهل للبحث الخارجي شرع معه في ذلك، وقد استمر هذا البحث تقريباً حتى أواخر حياته، وما انقطع عنه إلا بسبب المرض والعجز وحتى القضاء لم يشغله عن الدرس وعن البحث فكان مهتماً بمسائل العلم والتحقيقات العلمية، فقد كان إذا شغلته مسألة لا يكف عن البحث حتى يستوفي النظر تماما فيها، ثم بعد ذلك يخلص للنتيجة العلمية التي ترضيه أو قد تلبي وترضي مهمة المتتبع، لذلك نجد أن بحوثه مدققه ومنقحة وقد كان شيخنا رفيع الذوق في الاستظهار لأنه يتعامل مع الكتاب والسنة وقد كان يصل إلى (النتيجة المطلوبة .. إضافة لحرصه على تتبع الآيات والأخبار عله يجد قرينة أو دليلا آخر فكان مهتما بالظهور بنتيجة واقعية ولعل ذلك يعتبر من صفات الباحث المسلم الملتزم . أب عطوف وتناول باقر بن الشيخ محمد الهاجري الجانب الآخر للشيخ داخل محيط أسرته بقوله: كان والدنا نعم الأب ذا عاطفة جياشة، فكان يأنس بتجميع الأبناء في المناسبات المختلفة، ويكون (لحوحاً) في هذا الجانب وحريصاً عليه وعلى تجميع كل الأبناء الصغار والكبار بل وحتى المرضى يجتمعون حوله دائما، وهو يمازحهم بدون تكلف أما علاقته في البيت فقد كان زوجاً مثاليا حيث يقوم بشراء احتياجات المنزل بنفسه وهو يسعد بهذا العمل وكان يؤكد للوالدة دائما أن مشاغله مع الآخرين لا تصرفه عن واجباته المنزلية، إضافة لامتلاكه (لعاطفة عجيبة) تجاه الأطفال كما كان يحرص على اصطحابنا معه في العديد من أسفاره، وبرغم انشغاله بالحوزة العلمية ومقابلة طلاب العلم وغيرهم ظل يولي الاسرة اهتماما كبيراً . خبير علم الاجتماع أما الشيخ شاكر بن الشيخ محمد الهاجري فقال عملت مع الوالد في محكمة الأوقاف والمواريث وكنت مسؤول العلاقات الزوجية ومكتبي بجوار مكتب الوالد وخلال فترة الثماني سنوات التي عملت فيها معه كنت أرى فيها الوالد رجلا عظيما بسبب براعته في حل المشاكل الزوجية وحل المشاكل المتعلقة بالإرث والولايات والأوقاف، ونعرف أن في الإسلام هناك الحكم والصلح فكان الوالد يتحاشى الحكم الشرعي ولذلك تطول القضية لتمتد من نصف ساعة إلى الساعة والساعتين وساعات ويتحمل المشاق من أجل أن يصل إلى الصلح وعندما تنتهي القضية كنت اسأل الوالد ان كان باستطاعتك أن تنهي القضية في نصف ساعة وتصدر الحكم الشرعي فلماذا لم تصدره فيرد علي بأن الحكم الشرعي أمر خطير جداً وقد يخطىء فيتحمل عواقب خطئه فالصلح قدم على الحكم الشرعي، فالأحكام التي صدرت من عنده قليلة جداً لا تتجاوز الحكم الشرعي في السنة. ومع ذلك فقد كان لا تأخذه في الله لومة لائم فهو لا يقبل لأي أمر فيه حرج للعقيدة الإسلامية أو فيه تطاول عليها فقد كان شديد الغضب في هذا الجانب ومع ذلك فإذا أساء إليه بعض المراجعين كان يتسامح ويصفح ويعفو إلى أبعد حد حتى أننا نشعر بضيق بسبب هذا التسامح الشديد ولكنه رحمه الله كان يكرر قول الرسول صلى الله عليه وسلم.. (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).. اهتمام بالأسرة وفيما يتعلق بشرائه للحاجيات بنفسه للمنزل سألته بنفسي لأنني تعرضت لبعض الحرج من بعض الناس حيث يقولون أن والدكم يشتري الحاجيات وهو الشيخ الجليل والعالم الفاضل فأجابني عليه الرحمة بأن ضرب لي مثلا في أبي طالب وهو سيد من سادات قريش كان يشتري حاجياته بنفسه وهذا لا يقلل من مكانة الإنسان بل يرفعها كان يلبي دعوة أي شخص وحتى الرجل الفقير الذي لا يملك مسكناً لائقاً بل كان يتشرف بزيارته له: فلم يكن يرفض دعوة كائن من كان. وقد كان يحرص على مواساة من فقدوا عزيزاً ويشارك فرحة المتزوجين ويحضر أعراسهم تكريما لهم فهو أب للجميع بالرغم من تقدمه في السن ومن مرضه الشديد فقد كان يؤدي كل هذه الأعمال من دون تقصير. تواضع جم عبد الحميد بن حسن الملا من أصحاب ورفاق الشيخ منذ أكثر من 35 عاما قال: كان الشيخ الهاجري نبراساً مضيئاً وبتوجيهاته استفدنا كثيراً ومهما حاولت أن أتأمل صفات الشيخ وأحاول مجاراتها أعجز عن ذلك فهذه هبة وهبها الله سبحانه وتعالى لشيخنا الجليل. وأضاف منذ أن كنت في العاشرة من عمري سافرت إلى العراق وكان مقيماً هناك وبحكم انه كان صديقا لوالدي دعاني للحضور إلى منزله وأنا طفل صغير ولتواضعه كان يجلسني إلى جانبه وكان يطعمني بيده على المائدة بالرغم أن معرفته بي كانت محدودة الشيء الذي لفت نظري فإنسان بهذه الأخلاق وهذا العلم يتواضع لطفل صغير. فتكونت في مخيلتي فكرة أن هذا الإنسان ليس طبيعياً وتعلقي به بدأ منذ ذلك اليوم الذي لن أنساه ما حييت فصحبته طوال تلك السنوات الطويلة. وكان يستشير أصغر الناس (فأنا مثلا في أحد الأيام تحدث معي الشيخ في المسجد طالبا مشورتي في شيء معين فأصابتني الدهشة يسألني هذا العالم هذا أمر عجيب)! وبعد إعطائه المشورة سألته عن سبب استشارتي فأجاب: المشورة ضرورية ومطلوبة ولا تحتقر أي رأي بل احترمه. وفي مجالسه وجلساته كان يحث على إثراء المكان بالمسائل الدينية ولا يقتصر عليها بل يخرج بالمكان إلى الفكاهة ليخفف عنا عبء المكان. هو شخصية كلما تقربت منها تشعر بالسمو لأنها تجتذبك وتحتويك. كان مهتماً بالأحوال الاقتصادية والسياسية التي تهم المجتمع الإسلامي. ذكاء وفطنة وقال الشيخ عادل علي الأمير ان الشيخ يمثل لنا معنى كبيرا وبدأت علاقتي به منذ سن مبكرة ومجلسه ومسجده يمثلان مكان اهتمام خاصا وإن ما يلفت النظر في علم الشيخ أن كان حاضراً لأي إجابة وأي سؤال وهذا مالا نراه في كثير من العلماء فحافظة الشيخ القوية وذكاؤه المميز فالشيخ مدرسة بكل ما يمثله هذا الاسم من معنى فلم يكن مدرسة في ذوقه فقط بل كان مدرسة في تعامله ومعالجاته للأمور ورؤاه الفقهية والاجتماعية. وأنا أتذكر موقفا فيه اللمسات الأبوية كان يتمتع بها التقيت به فكان استقباله لنا رائعاً. وأذكر شاهدا على فراسة الشيخ رحمه الله كان في منزله السابق مكتبه زجاجية وكنت أجلس عنده فيذكر لي قضايا اجتماعية وأنا ذكرت سابقا أن الشيخ كان مدرسة بحد ذاته من ضمن ملامح تلك المدرسة أولا أن الشيخ كان دائم التوثب لتجريد الدين عن كل ما يمكن أن يمس الدين من شوائب لم يكن يسمح لأي شخص أن يتحدث عن الدين بجهل مهما كانت شخصية التحدث فكان يحرص عندما يتحدث عن الدين أن يكون متكئا على دليل واضح وبين هذه الناحية أثرت وسببت سوء الفهم لشخصية الشيخ رحمه الله كان يرى الدين مقدسا في المقام الأول. ومن الملامح الأخرى كان رحمه الله يحرص على أن تتوفر في خاصته وخصوصا في طلابه من أبناء العلم مواصفات قد تكون صعبة مثلا كان يحرص على أن يجد فيهم الإتزان والثقل والدقة الشيح الراحل كان يقدس العلم ويحرص على أن لا يخلو مجلسه من طرح علمي وحقيقة كان يمارس التواضع حتى في هذا الموضوع. لم يقعده المرض وأضاف الشيخ نجيب الحرز من تلامذة الشيخ والمرافقين له أن الكثيرين ممن احتكوا بالشيخ لم يستثمروا هذه العلاقة مع الشيخ لأنه في جوانبه المتعددة تستطيع أن تختار ما يناسب شخصيتك بحيث تستطيع أن تأخذ منه رؤى وسلوكيات وتجربها على نفسك. لمست في الشيخ من خلال الدروس الفقهية بأنه يعطيك مساحة من الوقت ومساحة من التفكير ومساحة كبيرة من المراجعة فهو لا يلقي المحاضرة فقط بل يتأنى وينتظر ويحقق. وتستغرب من استعداده وشوقه وولعه وانصهاره في المسألة بالرغم من عمره ومرضه فتشعر بأن الفقه يتقطر من شخصيته حينما يتوقف وحينما يتنفس وحينما يسكت فالشيخ يحرص على بناء طلبته بناء فقهياً جيداً ومتوازنا، فهو يملك ثقة فقهية في شخصيته فهو على أتم الاستعداد لمقاربة أي مسألة يتوجس منها الآخرون. عندما يتحدث عن مسألة فقهية يعطيك المضمون دون أن تفقد قيمتها بأسلوب سلس والشيخ عندما يقوم بزيارة ترى أنه فقه يتحرك . فهو يشعرك بثقة علمية فالشيخ اكبر من كل المواقف التي عالجها. براعة إدارة الازمات وباستطاعتي أن أطلق عليه بأنه شيخ الأزمات فهو حين تقع أي مشكلة على مستوى الأحساء وحتى خارج الأحساء كبار الفضلاء وكبار الشخصيات دائما ما يلجأون إلى الشيخ فهو الملاذ الأخير. فهناك قضايا تتعلق بالأخلاق أو الأنساب، أو الشرف نجد أن الإنسان العربي تصيبه هزة وربكة وهذا ما يحدث عند الشيخ الغيور على الأعراض لكن في نفس الوقت يعطيك أملا بأن الله موجود وأن لكل مشكلة حلا فيسلب منك الارباك والتردد ويقود ذهنك إلى إطار الحل وهذا قلما تجد مثل هذا الشخص. عندما تحدث أزمة على مستوى المنطقة لا ينسحب منها الشيخ أبداً بل يتصدى لها. الشيخ رحمه الله يملك من القيم الإنسانية الشيء الكثير فهو شهم كريم بطل مقدام ولا يمكن أن تتلمس هذه القيم حتى تلتصق بالشيخ ونحن نعرف الرجل في الأزمات وهذا هو رجل الأزمات رحمه الله . وأنا عرفت الشيخ شديدا وصارما جداً ليس من السهل أن يمنح أحداً توثيقا أو وساما أو يعطيه تزكية ولكن مع ذلك يتعامل مع الناس بحسن الظاهر فهو لا يستهين بأحد. أنا رافقت الشيخ لزيارة سمو ولي العهد الأمير عبدالله في جدة وكان الشيخ. رحمة الله عليه يحمل هم المنطقة والهم الوطني والديني لأنه رمز في هذه المنطقة. فكان السفر معاناة له لكبر سنه فكان يوماً متعباً حتى أن الشيخ كان يرفض مساعدته على المشي لأنه يرفض فكرة أنه عجوز. وقال أمير محمد الرمل من مرافقي الشيخ : لقد أصيب الشيخ بمرض السرطان في القولون واستأصل منه 40 سم وهي مساحة غير قليلة منذ 7 سنوات وبعد العملية ب 16 يوما مارس دروسه العلمية وواصل عمله في المحكمة وحين قيل له يا شيخ أنت رجل كبير في السن ومريض فلماذا لا تستريح على الأقل لمدة شهرين؟ فقال خدمة الناس مهمة وطيبة. كان الشيخ يؤدي القضاء حسنة لوجه الله فليس هناك دخل فقد قال أن القضاة في الشرع ليس لهم مخصص مالي. ابنه يقول: من القصص التي تدل على قوة ذاكرة الوالد جاءه أحد المراجعين فقال له أنا عندي قضية قبل ستة شهور ضبطتها في السجلات بالرغم من أن الشيخ لم يكن يسجل بيده بل بقلم أحد الزملاء لي فبدأ الزميل يبحث فقال له الشيخ أبحث في الجهة اليمين وليس في الصفحات التي في جهة الشمال لأنك قبل ستة شهور كتبته في صفحات الجهة اليمنى. خضر عبد الله البقشي تناول مسيرة الشيخ الهاجري من زاوية مغايرة وهو يقول هناك جوانب مضيئة من حياة الشيخ محمد بن سلمان الهاجري بدأت أحدث نفسي مسترجعاً شريط الذكريات أقلب صوره المشرقة كي أنتقي منه قبسات مضيئة عن حياته. نطقت بأن الشيخ مدرسة إثرائية للعلوم الدينية ولكل الصفات السلوكية الخيرة من حسن خلق وتواضع وقول الحق والثبات على المواقف والتصدي للمعضلات والتثبت قبل إصدار الأحكام وأخذ الحيطة اللازمة في المعاملات مع العباد وعدم تصديق الشائعات والسعي الحثيث للوحدة بين الفئات والتواصل مع قادة البلاد. يضاف إلى ذلك غزارة علمه وشدة ذكائه وفطنته وقوة فراسته حتى آخر حياته. لقد كانت حياته صدى مدوياً يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب. وذاع صيته كما تبوأ منزلة عظيمة وثقة عالية لدى الحكام. لقد كان أسلوب الشيخ في معاملته مع الغير أو حدياً فلقد تميز بشجاعة نادرة، وصبر لا حدله، وتواضع لا شبيه له، وأم رؤوم على من حوله، شديد التقدير والتفقد لأصحابه ومعارفه كانت المحافظة على الدين وشؤون العباد لديه من أولى المهمات، لذا قبل القضاء عارفاً أنه الأولى به رغم حساسيته وثقل مسؤوليته، وتحمل الصعاب من أجله رغم كبر سنه وتدني صحته لا لشيء غير وجه الله تعالى والقرابة إليه من غير جزاء أو أجر عليه عاش قوياً بشخصيته السمحة وسطر في صفحات المجد أسمي وأعطر الذكريات شهد له بذلك من عرفه وسجلت بأحرف من نور يستعصي تجاهلها. فلئن غيب الثرى ذلك الجسد إلا أنه لا يزال حيا بروحه وعلمه بينا سعيداً بلقاء ربه الكريم جل وعلا مطمئناً راضياً مرضيا، فجزاه الله عن الإسلام وأهله الجزاء الأوفى، في جنان الخلد بصحبة الأطهار من النبيين والصديقيين والشهداء. الحوار الهادئ نهجه مع الجميع أبناء وطلبة الشيخ محمد الهاجري