أندهش كثيرا من عقول متعلمة، تصر على من حولها بإمكان تحقيق أحلامهم وطموحاتهم بورقة مصورة تطير سريعا بالفاكس بين مدن متناهية البعد قبل أن تستقر في بطن آلات التصوير لتتوالد نسخها بالمئات ان لم يكن بالآلاف، بين يدين ترتفع لخالقها بفحوى هذه الورقة تحت ضمانة إجابة الله للدعاء في ظرف أسبوع على الأقل، وذلك على ذمة موزعها:"دعت به فلانة وتزوجت، ودعا به فلان فرزق العيال وذاك رزق المال، وآخر وجد واسطة مكنته من وظيفة". وفي زيادة من حماس يقولون ان الدعاء به: "وحدة بوحدة"، و لا يستقبلون سؤالك بسخرية:"أهذا دعاء سوبر؟!" كما لا يستقبلون رفضك التام لأوراقهم. مع إصرارهم الشديد على فعالية مفردات هذه الأدعية غير المسنودة بنص قرآني ولا المأثورة على لسان النبي عليه الصلاة والسلام، يصبح من الصعب إفهامهم أن أقرب مكتبة تبيع بريال واحد فقط كتيبا صغيرا يحتوي كل الأدعية الصحيحة من الكتاب والسنة، ويتعقد الأمر مع محاولة لإيضاح أن الاعتقاد هو بالله وليس بلفظ الدعاء أيا كان، وتتحول في النهاية إلى شخصية معقدة وغير مرنة، لو شرحت لهم عاقبة الانسياق وراء بدعة، متمثلة في نزع سنة حسنة لا تُرد إلينا أبدا. هذه الأدعية السوبر تطورت بتطور طموحات معتقديها، فمن تزوجت هناك دعاء سوبر آخر يجعل زوجها كالخاتم في إصبعها، ومن توظف هناك دعاء يجعله يحصل على ترقية تصل به لكرسي المدير، لأجل ذلك تناسخت تلك الأوراق وانتشرت حتى رأيت شيئا منها بين يدي زوار الحرمين الشريفين. هذا التعلق بأستار ألفاظ مسجوعة وعبارات مغلوطة، يدفع للسؤال عن مدى قدرة هؤلاء على تطوير أنفسهم لتحقيق أهدافهم، وعن مدى فاعليتهم في التحكم بمسارات حياتهم. هل هو نوع من الفشل؟ أم هي عقدة نقص نفسية تدفع للبحث عن كلمات سحرية تفتح الأبواب دون البحث عن المفتاح؟. المفتاح صورته جلية وواضحة في قول الله تعالى(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وهذه الآية تحديدا هي خلاصة كتب علمية تتحدث عن نقطة بداية التغيير في الحياة للوصول للنجاح. التغيير في الإسلام مشروط بأن يأتي من الداخل أولا، فكما ورد في الأسانيد الشرعية بأنه لا يرد القدر إلا الدعاء، ورد أيضا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه. كل عام وأنتم بخير، رمضان على الأبواب وهو أرض خصبة لبداية تغيير جذري، فهل نقدر؟ كان الله في عوننا.