الدعاء عبادة من أعظم العبادات بل هو العبادة كما قال عليه الصلاة والسلام : (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي، لذا كان لابد من معرفة حدود هذه العبادة لكي لا يتعدى فيها الانسان فيقع في المحذور وترد دعوته قال تعالى : (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية انه لا يحب المعتدين) فهذه الآية دلت على النهي عن الاعتداء في الدعاء. لذا كان الأجدر بنا معرفة الاعتداء في الدعاء ومعرفة ضوابطه وصوره فالاعتداء في الدعاء تجاوز الحد الذي حده الشرع المطهر فيه فيحصل في الدعاء من الخلل بحسب ما يحصل من التجاوز قوة وضعفاً يقول ابن القيم : (كل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وامره او يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله). والدعاء على ثلاثة أقسام : الاعتداء في الالفاظ والاعتداء في المعاني والاعتداء في الهيئة والاداء، فمن جانب الالفاظ التي قد تكون في التفصيل عند الدعاء بأحوال البرزخ يوم القيامة او احوال الموت وسكرته، كاللهم ارحمنا اذا بردت القدمان وشخصت العينان ويبس منا اللسان، ونحو اذا يئس منا الطبيب وبكى علينا الحبيب، وكالتفصيل عند الدعاء بالجنة. كاللهم انا نسألك الجنة في سد مخضود وطلح منضود وظل ممدود. والمفترض ان يبقى على جوامع الكلم ويدع ما سواه من التفصيل يقول صلى الله عليه وسلم : (سيكون قوم يعتدون في الدعاء فإياك ان تكون منهم) كذلك نجد البعض يخترع ألفاظاً في الدعاء على الكفار ومن ذلك: اللهم سكِّن ما تحرك في اجسادهم وحرِّك ما سكن منها واجعل الموت اغلى أمانيهم، اللهم رمل نساءهم ويتم أطفالهم .. كذلك السجع المتكلف والبحث عن غرائب الالفاظ كنحو اللهم انا نسألك الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان والصلاح في الولدان.. ونحو اللهم انا نسألك رزقاً داراً وعيشاً قادراً وعملاً ساراً وقوله : إلهنا زلَّت بنا عن سبيلك الاقدام وغرقنا في لجج المعاصي والآثام.. الخ. وان حصل سجع لم يقصده فلا بأس كقوله اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب وقوله : صدق وعده وأعز جنده وقوله : أعوذ بك من عين لا تدمع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع فالمكروه هو السجع المتكلف لأنه يلائم الضراعة والذلة. كذلك يدخل في النهي التزام البعض بأدعية وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف كقوله (تم نورك فهديت فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد) ونحو : يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الظنون.. وقوله : يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد ورق الأشجار ونحو : يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لا يؤاخذ بالجريرة نسألك يا الله ان لا تشوي خلقي بالنار، كذلك يدخل في النهي الدعاء بألفاظ لا يعرف معناها كقوله : اللهم اسألك بعقد العز من عرشك، فينبغي ان يتخير من الادعية السهلة الواضحة المعاني. كما ان اللحن في الدعاء امر مكروه قياساً على السجع اضافة الى عدم ضبط الاعراب واللفظ لأنه مواجهة الحق بالخطأ. ومن التعدي عدم اختيار الالفاظ المناسبة كاللهم ارحمني يا شديد العقاب.. اللهم عليك بالكفار يا غفار يا أرحم الراحمين، كذلك الدعاء بأسماء لم ترد لله في الكتاب والسنة كقوله : يا سبحان يا برهان يا سلطان يا غفران يارب القرآن كذلك استبدال لفظة الدعاء الوارد بغير الوارد فالالتزام بالدعاء المأثور بدون خلطه بغيره حتى لا يشكل على السامعين، او يختلف حفظه في الذهن خلاف لما ورد، أما التعدي في المعاني الممتنعة عقلاً وعادة كاحياء الموتى ورؤية الله في الدنيا او يسأل منازل الانبياء أو معجزاتهم كما يرد عن الصوفية كنحو : اللهم اسألك ان تسخر لنا هذا البحر كما سخرته لموسى وسخر لنا النار كما سخرتها لإبراهيم وسخر لنا الجبال كما سخرتها لداوود وسخر لنا الرياح كما سخرتها لسليمان. والمفترض ان يدعو لكشف الضر حال الشدة، كذلك يدخل في التحريم كسؤال الخمر وغيره من المحرمات يقول صلى الله عليه وسلم (يستجاب لأحدكم ما لم يدع باثم أو قطيعة رحم) رواه مسلم كذلك يدخل في النهي سؤال المسلم المال والجاه والولد والعافية وطول العمر للتفاخر والتكاثر والاستعانة بها على قضاء الشهوات، ويدخل في النهي الدعاء في الخلاص من معصية هو مصر على ممارستها كالزنا والربا ونحوهما وكذلك الدعاء بالمغفرة او سؤال العصمة من الخطأ والذنوب مطلقاً. كما يدخل في النهي الاعتداء بالدعاء على من ظلمه لاسيما المسلم كقوله : اللهم اهتك عرضه او اللهم امته على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم، وله ان يدعو بانكاد الدنيا على غير المسلم من الظالمين كقوله : اللهم سبعاً كسبع يوسف.. اللهم عليك بفلان. كما ان التحجر بالدعاء امر لا يرضى كقوله اللهم ارحمني وفلان كما يكره تعليق الدعاء بالمشيئة، يقول صلى الله عليه وسلم (اذا دعا المسلم فليعزم المسألة ولا يقولن : اللهم ان شئت فاعطني فانه لا مستكره له) متفق عليه، كذلك اشتمال الدعاء على شيء من الشرك او الدعاء على الأهل والمال والولد والنفس يقول عليه السلام (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقون من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم) رواه مسلم. كما نهي عن تمني الموت والتعجيل بالعقوبة في الدنيا وقبل الآخرة. اما الاعتداء في الدعاء في الهيئة والاداء كدعاء غير متضرع ولا مستكين والتلحين والتغني والتطريب والتمطيط في اداء الدعاء لمنافاته الضراعة والاطالة المملة والتكلف بالبكاء والشهقة واضطراب الاعضاء وتعفير الوجه بالتراب والدعاء الجماعي والترديد وحال استقبال القبر والدعاء في الكنائس والحمامات لأن الدعاء ينبغي ان يكون على أحسن حال وهيئة وبقعة، كما ان الدعاء مع النعاس أو الشبعة او مواقعة الاخبثين أو ملامسة النجاسة امر مستكره، نسأل الله للجميع ان يكون دعاؤهم خالصاً لوجه الله وان يكون مستجاباً، انه سميع مجيب. المستشار الشرعي والباحث الإعلامي عضو الجمعية الفقهية السعودية