أكره الأطباء، وبلاط المستشفيات النظيف واللامع، وكاونتر الاستقبال الذي يجلس خلفه موظفون جامدون وأوراق المواعيد التي لا تظهر دائما في الوقت المطلوب أكره المرض، أكره مرض زوجي تحديدا، وأكره أن أضطر للعب دور زوجة المريض التي يتوقع الناس منها أن يسكن عينيها قليلٌ من الحزن وكثيرٌ من الرضا بالقضاء والقدر. ألا يوجد أمر علاج؟ بلى ولكن لمواعيد الصباح فقط، المساء للمواعيد (الكاش). تشير الممرضة لي بالجلوس داخل الغرفة، اسألها عن الطبيب فتخبرني أن لديه مريضين آخرين، وأتعجب من المكالمة التي طلبت منا الحضور باكرا لأن الدكتور لن يكون موجودا في الوقت المحدد في الورقة. أسمع صوت الطبيب الحاد، ويرد إلى ذهني تساؤل لا معنى له، لماذا تزداد أصوات الأطباء حدة كلما زادت أهميتهم، أسمعه يسأل الممرضة كم بلغ عدد المرضى؟ وهل كلهم دفعوا (كاش). وأسمع صوت ضحكة ساخرة ومكتومة يصدرها زوجي، وأتذكر أن هذا الصوت من أهم الأشياء التي لم يفقدها زوجي جراء مرضه، وأتذكر أنها كانت تسبب لي حالة من الضيق أجاهد في إخفائها، وأعرف أن هذه الحالة زادت سوءا بعد مرضه، أتشبث بالكتاب الذي أحضرته معي، وأهرب فيه من عيني زوجي وأسئلته التي لا يستطيع أن يسألها، أختبئ من سخريته، ومن عدم فهمه، ومن نظرته الضعيفة التي يستنجدني بها أحيانا. أهرب من كل ذلك وأغرس عيني بحرص شديد في مجموعة لكورتاثار، الذي على الرغم من حرفيته الكتابية العالية، لم ينجح في انتزاعي من كل الأشياء التي أهرب منها. ظللت أهرب، وأحس أنني أهرب، مع أن نجاح الهرب كان يعني أن أستغرق تماما في القراءة وأنسى كل ما يدور حولي طلبت مني الممرضة أن أرفع كمي كي تقوم بقياس ضغط الدم، فأجبتها ببرود وبازدراء لا أعرف سببه أنني لست المريض، وأشرت إليه، كانت حالة القرف التي تغمرني شديدة جدا، لدرجة أنني لم أستهجن الطريقة التي رددت بها على الممرضة، مع أن خطأها كان لا يعد خطأً أصلا، إذا ما تذكرنا أنني أنا التي أعطيتها ورقة الموعد وسألتها عن الدكتور. انتظرنا ساعة، جاء بعدها الدكتور الذي كان شديد الاعتداد بعدد المرضى الذين جاءوا إليه ودفعوا له (كاش)، أعرف أن هذا الرقم بالنسبة له كل حياته، أن يأتي إليه الناس بدون أمر علاج، لا يجيئون في الصباح حيث تتكفل بهم أوامر العلاج، بل يجيئون مساء، خصيصا له، من أجل عينيه، وسمعته الطبية، يختال الطبيب كلما سمع الرقم يزداد، والفلوس حتى لو لم يأخذها هو فهي تعني أنه مطلوب، أن المستشفى ستعرف أهميته، ولابد أن تقدر ثمنه، وربما رفعت الراتب الذي تدفعه له، لو أنهم يفهمون أو يقدرون، هكذا يردد بينه وبين نفسه. جلس بطريقته المتباهية وصوته المرتفع، تذكر أنني طبيبة، لكنه وللمرة التي لا أستطيع حصرها، قال لزوجي أنت تكتب عن الاتحاد كثيرا في صفحات الرياضة، كاتب كبير، وأيضا يردد زوجي كما في كل مرة أنه يكتب في الأدب، ويسأل الدكتور الذي يتضح لي بشكل جلي تماما أنه لا يعرف أي شيء عن حالة زوجي، إذا كان قد عاد إلى الكتابة، فيجيبه زوجي أن: لا، وأكون أنا وصلت إلى أقصى حالات القرف، أتذكر الطبيب الأمريكي الذي غادر مرتعبا مما صار يجري من استهداف لقتلهم، والذي كان في كل مرة يربت على كتفي ويبتسم بأسى، يشجعني بنظرته المتفهمة، ويجري العديد من الفحوصات لزوجي، لم يفعل أيا منها طبيبه الجديد الفخور بعدد المرضى (الكاش). ليس هناك حل يا دكتور؟ يقول لي: ليس هناك حل، فليكمل نفس العلاج، أخرج من العيادة، أتجه إلى الصيدلية، يتبعني هو، أصرف العلاج، نغادر المستشفى، أشعر بوهن شديد، أقول له أنا تعبة، سأذهب للنوم.