إن أول آيات من القرآن الكريم نزلت على المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يتعبد في غار حراء قد حملت معها تكليفا إلهيا بالقراءة والتعلم يقول الحق سبحانه: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق) (العلق:1) ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم يتوقف أبناء الأمة المحمدية عن تلاوة كتاب الله العزيز وتعلمه بل والعمل بما جاء فيه. وحفظا للمنهج الرباني العظيم من أن تمتد إليه أيدي العابثين كما حدث في الكتب السماوية الأخرى فقد تعهد المولى عز وجل بحفظ كتابه في قوله: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر:9) فهو لمن يتمسك به حبلا متيناً ومنهاجا قويما وسراجا منيراً. ولا تزال بلادنا من فضل الله على أهلها تملك قصب السبق والريادة في العمل على حفظ كتاب الله في الصدور والعناية به، ويشهد هذا العصر الزاهر على قمة هذا الاهتمام من خلال الدعم المتواصل، فأنشأت حكومتنا الرشيدة أيدها الله أكبر مجمع طباعي للقرآن الكريم وهو (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) وقامت برعاية ودعم حلق وفصول التحفيظ في المساجد والمدارس للبنين والبنات بكل أنحاء المملكة، حتى شهدت أعدادها نمواً غير مسبوق، وذلك بفضل من الله ثم بما حظيت به الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم من دعم واهتمام ولاة الأمر وأهل الخير والإحسان، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني حفظهم الله جميعا وسدد خطاهم. وقد أدت تلك الرعاية المباركة الى تسابق الأبناء من الجنسين على الحلق والمدارس حتى أصبح عددهم يقدر بالآلاف، وجميعهم يتنافسون في حفظ كتاب الله الكريم، ويشارك المتميزون منهم في المسابقات المحلية والدولية، ومنها مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ويمثل هذا العام الدورة السادسة والعشرين على انعقادها في خدمة كتاب الله، وبمشاركة عدد كبير يتزايد سنويا من أبناء المسلمين الذين يمثلون الصفوة الممتازة من حفظة كتاب الله من جميع أنحاء العالم وتقوم المملكة باستضافتهم في رحاب أطهر بقاع المعمورة بمكة المكرمة، وتوفر لهم الجو الروحاني المناسب للتنافس، وتوزع عليهم الهدايا والجوائز، كما أعدت الوزارة لهم برنامجا مكثفا مصاحبا لفعاليات المسابقة يحقق التعارف بين المتسابقين من الجنسيات المختلفة والتعريف بالمملكة. ومما لاشك فيه أن هذه المسابقة الدولية تمثل حدثاً عالميا يجب استثماره في خدمة الإسلام والمسلمين، من خلال توثيق عرى المحبة والأخوة الإسلامية بين أبناء المسلمين المشاركين من شتى أنحاء العالم، كما أنها فرصة لتوجيه رسالة من خلال هؤلاء الصفوة إلى كل بقاع الأرض تظهر سماحة الإسلام، وتنشر تعاليمه السمحة بين جميع شعوب الأرض. ولا يفوتني في هذا المقام أن أنوه بما تبذله وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وعلى رأسها معالي الوزير الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وفقه الله ورعاه من جهد كبير على مدار العام، استعداداً لهذه المسابقة التي شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، حتى أصبحت محط أنظار أبناء المسلمين قاطبة لنيل شرف المشاركة فيها والفوز بإحدى جوائزها السخية. أسأل الله تعالى أن يجزي ولاة الأمر أمورنا خير الجزاء على ما يبذلونه في خدمة كتاب الله العزيز، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم وكيل الوزارة المساعد لشؤون الأوقاف عبد الله بن إبراهيم الغنام