سنوات طوال يقضيها المبتعث في دراسته في الخارج، يعود بعدها متسلحاً بعلم أكاديمي يفوق نسبياً ما يحصل عليه الطالب في الجامعات السعودية، وتتوقف أحلامه أمام تطبيق ما تعلمه في مهنة تناسب تخصصه، وتحقق له ذاته بالحصول على وظيفة تلبي طموحه ورغباته، إلا أنه يواجه بسيل من المبررات التي ترفض توظيفه بحجة الخبرة وعدم وجود وظائف. «اليوم» التقت بعدد من العائدين من الابتعاث الخارجي؛ لايصال معاناتهم التي يتحدثون عنها بمرارة، ولاتخاذ ما يضمن لهم حياة كريمة واستغلال قدراتهم في بناء الوطن. في البداية قال المبتعث سالم السالم إنه ابتعث إلى الولاياتالمتحدةالامريكية في عام 2006م لدراسة تخصص ادارة الطوارئ والتخطيط مع تخصصين فرعيين في الادارة العامة وتحليل السلوك التطبيقي، حيث قضى ما يقارب ال «6» سنوات ما بين دراسة اللغة الانجليزية والتخصص، وعاد للوطن في عام 2012 م. وأضاف السالم انه بدأ البحث عن وظيفة قبل تخرجه ب «5» أشهر تقريباً، إلا أنه تفاجأ بأن القطاع الخاص لا يستقبل طلبات التوظيف قبل التخرج، إضافة إلى أن الوظائف الحكومية يطلبون شهادة التخرج، مما جعله ينتظر تخرجه ليعود للوطن ويبدأ رحلة البحث عن وظيفة تناسب تخصصه. وقال السالم: بدأت بعد عودتي بالبحث عن الوظائف في القطاعين الخاص والحكومي عن طريق المواقع الالكترونية وارسال بريد الكتروني إلى مجموعة من المختصين بالتوظيف، وخصصت يومين في الأسبوع لزيارة بعض الشركات والقطاعات الحكومية؛ للبحث عن الوظيفة، وكانت الردود من القطاع الحكومي تأتي بعد مرور فترة طويلة فقط للتأكد من الأوراق أو تحديد موعد للمقابلة الشخصية، أما القطاع الخاص فلا توجد مصداقية عندهم من ناحية الردود، مشيراً إلى أنه ذهب إلى شركة في منطقة الجبيل الصناعية وكانت تطلب موظفين والأولوية للسعوديين من حديثي التخرج، وتقدم للوظائف العديد من السعوديين حديثي التخرج وبعض الأجانب ذوي الخبرة القليلة التي لا تزيد عن العامين لبعض منهم، لافتاً إلى أن هذا خلافا لما ورد بالاعلان بخصوص الأولوية للسعوديين حديثي التخرج. واشار السالم إلى أن أكثر العقبات التي واجهها تتمثل في عدم الثقة في الشباب السعودي والاعتماد على الأجنبي، مطالباً بطرح الثقة بالشاب السعودي، وباعطائه الفرصة لاثبات قدراته وتحقيق اهدافه، لان الشاب السعودي أثبت قدرته في تحمل الصعاب من خلال تجربته الدراسية في الغربة، متمنياً أن يتم التنسيق مع القطاع الخاص؛ لتوفير الحلول الجذرية بخصوص الوظائف التي تطرح من قبل القطاعين الحكومي والخاص، والتأكد من مصداقيتها. ويقول العائد من الابتعاث صالح المطيري والحاصل على ماجستير إدارة اعمال: التحقت بالبعثة في شهر يناير من عام 2006م، واكملت دراستي وعدت في شهر أغسطس من عام 2012م، وبدأت معاناتي مع القطاعين الحكومي والخاص، ولم أجد وظيفة حتى الآن، عام ونصف العام وأنا عاطل عن العمل، وأنا رب اسرة ولدي اربعة أبناء، واقترضت حتى أوفر متطلبات اسرتي ولأوفر لهم حياة كريمة. واضاف المطيري أنه لم يترك بابا إلا وطرقه بحثاً عن وظيفة، وتقدمت بخطاب لبعض المسئولين وتم تحويل أوراقي لديوان الخدمة المدنية التي حفظت معاملتي في الأرشيف، مشيراً الى أنه سبق والتقى بوزير الخدمة المدنية ووزير التعليم العالي ولم يجد رداً حسب تعبيره، اضافة الى انه تقدم لبرنامج جدارة وحافز ولم يحصل على وظيفة حتى الآن، مطالباً بتوظيف الشباب والتنسيق مع وزارة التعليم العالي والقطاعات الحكومية والخاصة؛ لتوفير وظائف للمبتعثين عند عودتهم في الحال. من جانبه يقول مشاري العتيبي خريج احدى الجامعات الأمريكية تخصص نظم معلومات حاسب آلي: أنا من أسرة بسيطة، تغربت وتعلمت حتى أغير من حياة أسرتي وحياتي الشخصية والعلمية والعملية، ولازالت عاطلا ووالدي يصرف علي وانا في ال «26» من العمر. مشيراً الى انه التحق بالبعثة عام 2009م وتخرج عام 2013م ومنذ عودته للمملكة وهو يقدم طلبات توظيف على جميع الشركات والوزارات والمؤسسات الحكومية الا انه لم يتلق رداً من جميع الجهات التي تقدم لها حتى الان، لافتاً الى انه كان يتوقع أن تكون الوظائف للأجدر ولكن للأسف «كل شيء بالواسطة» حسب تعبيره، مطالباً بإعطاء فرصة للدماء الشابة لبناء الوطن. من جهته يقول الدكتور سعد محمد الفليح (أستاذ الادارة بجامعة المجمعة، أحد خريجي برنامج الابتعاث): إن التأخر في التوظيف يعود الى ارتباط الكثير من جهات العمل بمواسم توظيف تكون متزامنة مع الربع المالي للشركة أو الخطط الاستراتيجية للمنظومة، وهذا ما قد يتسبب في تأخر توظيف بعض المبتعثين الذين يتخرجون في أوقات لا تتوافق مع الأوقات المحددة مسبقا للتوظيف في هذه الشركات، مشيراً الى أن من أهم الأمور المؤدية للحصول على الوظيفة المناسبة للمبتعث أو المبتعثة مراعاة توقيت التقدم، والالمام الكامل بالمنظومة التي يرغب الالتحاق بها من خلال زيارة موقعهم الالكتروني والتعرف على منتجاتهم وخططهم الاستراتيجية ورؤيتهم ورسالتهم، لافتاً الى انه من المهم المحافظة على التفاؤل والايجابية خلال رحلة البحث عن عمل، فعدة أشهر في رحلة البحث عن عمل لا تجعل المبتعث عاطلا. وأضاف الفليح: ان من الامور المهمة والتي ينبغي ذكرها، المبادرة فبإمكان المبتعثين التوجه للعمل الحر، فالقدرات التي اكتسبوها في غربتهم واحتكاكهم بالعالم الخارجي كفيلة بأن تكون وسيلة لنجاحات تجارية، وخلق وظائف لآخرين، مع العلم أن هناك العديد من البرامج الحكومية وبرامج القطاع الخاص والموجهة لتمويل مشاريع الشباب، كبرنامج الخريجين الذي يدعم تأسيسهم لمشاريع صغيرة أو ناشئة تتوافق مع خبراتهم وتخصصاتهم العلمية، وبرنامج مسارات الذي صمم ليكون الذراع الداعمة للشباب والفتيات الذين لديهم رغبة وطموح لممارسة العمل الحر، وشق طريق النجاح نحو الاستقلال الذاتي من خلال امتلاك مشاريعهم الخاصة. وزارة التعليم العالي ليست مسؤولة مباشرة عن التوظيف نظمت "وزارة التعليم العالي ورشة عمل متكاملة لاستشراف مستقبل سوق العمل السعودي، وفي ضوء ذلك، تم تحديد نسب التخصصات المختلفة في خطة الابتعاث". وتبين أن "وزارة التعليم العالي ليست مسؤولة بشكل مباشر عن التوظيف للمبتعثين، الذي يقع ضمن مسؤولية وزارات وجهات أخرى". ويترافق ارتفاع نسبة البطالة بين المبتعثين العائدين إلى بلادهم، مع تأكيد العديد من الشركات السعودية أنها تستقطب طلاب الجامعات الأجنبية أكثر من الجامعات المحلية. كما تشدد وزارة التعليم العالي على أن برنامج الابتعاث صمم وفق حاجات سوق العمل، وهو ما يتناقض وواقع الحال. وتحتفي وزارة التعليم العالي كل عام بخريجي الجامعات الأجنبية وتنظّم لهم معارض يومِ المهنة، حيث تقدم المؤسسات السعودية عروضها الوظيفية إلى الطلاب. ويبعث المسؤولون إلى المبتَعثين رسائل تطمينية مفادها أن سوق العمل يستوعبهم وبرنامج الابتعاث يحتويهِم، وأن رحلةَ البحث عن عمل لن تطول، وقد حصل العديد من المبتعثين على فرص وظيفية بعد جهد كبير لكن بعضهم أشار الى أن هذه الفرص لا تتناسب مع تخصصاتهم. معارض ليوم المهنة انطلق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي في عام 1426 ه لمدة خمس سنوات، ابتعث خلالها أعداد كبيرة من الطلاب والطالبات إلى الولاياتالمتحدةالامريكية وغيرها من الدول المتقدمة، في تخصصات تلبي حاجة سوق العمل في المملكة، وبعد انتهاء المراحل الخمس الاولى تم تمديده لخمس سنوات اخرى اعتباراً من العام الهجري 1431ه، وفي عام 1434 ه صدر الامر الملكي بالموافقة على طلب وزارة التعليم العالي بالتمديد للبرنامج لخمس سنوات اخرى، لتكون 15 مرحلة مضى منها تسع مراحل. يذكر ان وزارة التعليم العالي ممثلة في الملحقية الثقافية بأمريكا تنظم بشكل مستمر معارض ليوم المهنة، بمشاركة الوزارات والجامعات وشركات القطاعين الحكومي والخاص؛ للمنافسة على استقطاب وتوظيف الخريجين من مبتعثي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وبدت فكرة ايام المهنة في عام 2009م بمشاركة 25 جهة آنذاك، ليصل معرض يوم المهنة الذي اقيم في العاصمة واشنطن منتصف عام 2013م بمشاركة 116 جهة من مؤسسات القطاعين العام والخاص، ويعد أحد أبرز الفعاليات المصاحبة لاحتفال التخرج.