ما زالت قضية قتل وخطف الأطباء العراقيين وإطلاقهم مقابل فدية تتصدر قائمة الخوف العراقي في ظل الفلتان الامني، وما يزيد الخوف والقلق هو قيام عدد كبير من الأطباء العراقيين بمغادرة العراق إلى بلدان أخرى، خوفا من تعرضهم للقتل أو الخطف بعد ان أكدت إحصائيات عراقية ان اكثر من ألف طبيب عراقي تعرض لمثل هذه المحاولات، فيما شكلت نقابة الأطباء العراقيين ووزارة الصحة ووزارة الداخلية لجنة مختصة لمناقشة الظاهرة التي بدأت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق أصبحت تهدد الوضع الصحي العراقي بعد مغادرة مئات الأطباء للخارج وبقاء آلاف المرضى دون عناية من مختصين. ويؤكد الدكتور محمود علي الجاف رئيس اللجنة التحضيرية لنقابة الأطباء ان قرابة الف طبيب عراقي اغلبهم من الاختصاصيين قد تعرضوا إلى التصفية والابتزاز أو التهديد بالقتل فيما يشير مصدر مسؤول في وزارة الصحة الى ان العدد الحقيقي يفوق هذا الرقم بالنظر إلى أن أطباء تعرضوا لوقائع مماثلة لم يسجلوها لدى وزارة الداخلية أو الشرطة خشية تهديدات بالقتل ضدهم إذا أبلغوا الشرطة. ويشير الدكتور الجاف إلى أن فريقاً مشتركاً من النقابة ووزارة الصحة ووزارة الداخلية يعمل على مكافحة الظاهرة التي قال انها "مؤامرة كبرى على العراق هدفها تدميره وتدمير مؤسساته". خاطفون أجانب..!! يقول الدكتور ريسان الفهد، الذي خطف في وقت سابق ودفع فدية ستين ألف دولار مقابل إطلاق سراحه، بأنه متأكد من ان من قام باختطافه أجانب، إذ كانوا يتحدثون لغة أجنبية ومنهم من تحدث بالإنجليزية. ولكن الدكتور الفهد لم يستطيع نسبتهم لأي بلد. على قائمة الخطف وترصد سجلات وزارة الصحة إحصائية بحالات اختطاف اطباء عراقيين شهيرين في مجال تخصصهم يتقدمهم عبد الهادي الخليلي (اخصائي في الأمراض العصبية) ومظفر كرجي (اخصائي جراحة عامة) ورجاء الدهوي (اخصائية في الأمراض النسائية) وريسان فهد (اخصائي في الامراض الباطنية) وراجح الكعبي (اخصائي في أمراض القلب) ومكي بشير (اخصائي جراحة عامة) فضلا عن اختطاف نجلي الطبيبين شوقي غزالة وخليفة الشرجي. وتشير المعلومات التي حصلت عليها (اليوم) ان جميع هؤلاء الأطباء خطفوا من عياداتهم الخاصة في بغداد وأطلق سراحهم بعد دفع فدية (بالعملة الصعبة) تراوحت بين الف وعشرة آلاف دولار الى الخاطفين. ملفات وقال مصدر رفيع المستوى في وزارة الداخلية ان الوزارة قامت بحملة إجراءات للحد من ظاهرة تهديد الأطباء، تشمل البحث والتقصي وإجراءات اخرى رفض المصدر الافصاح عنها لسريتها. وقال المصدر ان الوزارة اعتقلت مختطفين لأطباء او ممن تورطوا في هذه الجرائم، وأن الوزارة، فتحت ملفات جنائية، وتمسك بخيوط تدل على مجرمين والعمل يجري لمعرفة ارتباطاتهم ومن يقف وراءهم. وكانت وزارة الداخلية قد أبدت عاجزة عن حماية الأطباء أثر تفشي ظاهرة خطف مجموعة من كبار الجراحين العراقيين قبل ثلاثة اشهر تقريبا وأولهم الدكتور وليد الخيال الذي فر حاليا الى خارج القطر للنجاة بحياته من موت محقق على ايدي عصابات غامضة. مخطط تدميري ل"العقول".. لكن الاطباء اعربوأ في أحاديث ل"اليوم" عن قناعتهم بأن ما يحدث هو جزء من تدبير مخطط يستهدف تدمير العقول العراقية واجبارها على مغادرة البلاد، وطلبوا حماية الأطباء. يقول الدكتور زكي القدسي (اخصائي امراض جلدية) ان هذه التهديدات "جعلت من مهمتنا أمرا صعبا، اذ لم يعد باستطاعتنا العمل مساء وانما نحاول غلق العيادات مبكرا" لتفادي المخاطر. وأضاف: إننا نطمح الى ان تولي الجهات المسؤولة اهتمامها وان تعمل على مساعدة الأطباء في أداء مهامهم الإنسانية، فضلا عن دور المواطن المسؤول في الإبلاغ عن أية ظاهرة مريبة أو تحرك مشبوه فيكون بذلك قد ادى مسئوليته أمام المجتمع. وقالت الدكتورة نازك صادق (طبيبة أسنان) "بعد انتهاء العمليات العسكرية اتخذنا بعض الإجراءات الاحترازية خوفا من عمليات السلب والنهب التي حدثت في البلاد وعلى الرغم من تواضع العيادة وعدم توفر تلك الأجهزة الحديثة كونها تكلف مبالغ عالية ولعدم توفر الأمان فاننا نعمل وبجهود ذاتية من اجل إكمال مسيرة عملنا على الرغم مما يعترضنا من مخاطر وتهديد، حيث اقوم بفتح العيادة مبكرا كي ينتهي العمل قبل الغروب وهذا بلا شك إجراء وقتي الى ان تزول تلك الغمامة وتنجلي الأمور". مغادرون..!! ودفعت الظاهرة أطباء إلى التفكير جديا بمغادرة البلاد بحثا عن مكان آمن لحماية حياتهم وحياة عائلاتهم. ومن بين ابرز الأطباء الذين غادروا العراق سنان مكي الغراوي (اخصائي أمراض المفاصل) وعلي شحم (اخصائي تجميل) وراجح الكعبي (اخصائي أمراض القلب) وعبد الله الراوي (اخصائي اطفال) وجواد الشكرجي (اخصائي امراض العيون) وعبد الاله الحمداني (مدير معهد الحساسية) وطالب خير الله (اخصائي امراض القلب) وعبد الستار فاضل (اخصائي امراض الكلية) ومعيد خشن (اخصائي امراض العيون). بحث عن حل ويقول الدكتور محمد الحسوني مدير برامج الوقاية من العنف في وزارة الصحة، ان هذه الظاهرة لا تشكل خطرا على الاطباء فحسب بل باتت تشكل خطرا كبيرا على مستقبل العراق وذكر ان عمليات الخطف والتهديد ازدادت جراء انعدام الامن وعدم الاستقرار "الا اننا نأمل ان تنتهي هذه الظاهرة خلال الفترة القريبة المقبلة ونأمل ان تجد حلا لهذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد العقول العراقية".