استطاع مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات منذ تدشينه في 26 نوفمبر 2012م أن يؤسس لحوار فاعل بين أتباع الأديان والثقافات، لنقل الحوار من قاعات التنظير والبحث إلى ممارسات عملية تتجاوز في مضامينها وأهدافها وآلياتها الصعوبات التي قد تحول دون التفاعل الإيجابي والالتقاء حول المشتركات الإنسانية التي تجمع أتباع الأديان والثقافات، وتنتصر لقيم التفاهم والتعايش الإنساني، ومكافحة أشكال التصنيف النمطي والتطرّف. وجاء إنشاء المركز انطلاقاً من مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- للحوار بين أتباع الأديان والثقافات التي تبنتها القمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت بمكة المكرمة عام 2005م, ودعت إلى إنشاء هيئة عالمية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وفي نوفمبر 2007م عُقد اللقاء التاريخي بين خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- والبابا بنديكتوس السادس عشر بابا الفاتيكان، حول ضرورة إطلاق المبادرة التاريخية ودعمها لتحقيق أهدافها النبيلة. وتواصل تأييد المجتمع الدولي للمبادرة التي قادت لتأسيس المركز خلال المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد بمكة المكرمة عام 2008م، والمؤتمر العالمي للحوار الذي عقد بمدريد في العام نفسه. وطالب البيان الختامي للمؤتمر الأخير بعقد جلسة خاصة للأمم المتحدة بشأن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وأيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها -الذي عقد في نوفمبر عام 2008م- توصيات مؤتمر مدريد من خلال التأكيد على أن التفاهم المتبادل والحوار بين أتباع الأديان والثقافات ضرورة لتحقيق السلام العالمي. وفي يوليو 2009م شكل المؤتمر العالمي للحوار -الذي عقد في فيينا- لجنة لمتابعة المبادرة ووضع الأسس اللازمة لتفعيلها ودراسة آليات تأسيس مركز عالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وتجلى التأييد الدولي لفكرة إنشاء المركز خلال المؤتمر الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بجنيف في أكتوبر 2009م، بعنوان مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية بمشاركة 150 شخصية دينية أكاديمية يمثلون مختلف أتباع الأديان والثقافات في العالم. وإدراكاً لأهمية الحوار وسعياً إلى تطبيق المبادرة قامت ثلاث دول هي: المملكة العربية السعودية، وجمهورية النمسا، ومملكة اسبانيا في أكتوبر عام 2011م بالتوقيع على اتفاقية تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات "كايسيد" بحضور ومشاركة الفاتيكان كمراقب. وتأسيس هيئة تحضيرية لوضع الأطر الأساسية لتنفيذ الاتفاقية، ليتم في 26 نوفمبر 2012م تدشين المقر الرسمي للمركز في العاصمة النمساوية فيينا. وفي احتفال عالمي أقيم في قصر هوفيرغ التاريخي بحضور أكثر من 850 شخصية عالمية من القيادات الدينية والسياسية ومن العلماء والمثقفين والمفكرين والأكاديميين تم افتتاح مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات التاريخي بفيينا، وبدء فعالياته التي انطلقت من رؤية واضحة وقناعة أصيلة بأن الدين أساس قوي لتعزيز ثقافة الحوار والاحترام وإرساء قيم العدل والسلام. واستهل المركز مسيرته في عام 2013م بإطلاق ثلاثة برامج، لتمهيد الطريق لحوار فاعل ومثمر، يتجاوز آثار المفاهيم الخاطئة وغير الموضوعية وممارسات التنميط السلبية بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة منها برنامج "صورة الآخر" الذي يهدف إلى تغيير المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين بعض أتباع الأديان والثقافات بنظرة أكثر موضوعية ومصداقية واحتراماً. وعن أبرز إنجازات مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وبرامجه المستقبلية، أكد الأمين العام للمركز فيصل بن معمر، أن حالة الاحتفاء التي استقبل بها العالم مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات التي توجت بإنشاء هذا المركز العالمي الذي يتمتع باستقلالية كاملة، تؤكد أن العالم كان في حاجة حقيقية وماسة ليس فقط لفتح قنوات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، بل -وهذا هو المهم- الخروج بهذا الحوار من الأطر التنظيرية إلى الواقع المعاش، وتحويله إلى ممارسات عملية لا تقتصر فقط على النخب والقيادات الدينية، بل تمتد لتشمل فئات أكبر من أتباع الأديان والثقافات كافة. ولفت معاليه النظر إلى أن إطلاق المركز ثلاثة برامج خلال العام الأول من مسيرته الدولية يهدف إلى تعويض ما فات الأسرة الدولية الإنسانية من تأخر في مد جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وبناء جسور التواصل والتعامل مع الاختلافات والمشكلات وتعزيز التعاون بين مختلف القيادات المجتمعات الدينية بما يدعم المشترك. معبراً عن سعادته بتفاعل جميع المؤسسات الدينية والثقافية والحكومية والأهلية مع هذه البرامج التي ستستمر فترة تتراوح بين 3 و5 سنوات. وأعرب معاليه عن أمله في أن يصبح المركز حاضنة للمؤسسات الحوارية العالمية وميداناً مفتوحاً للحوار الهادف الصادق للوصول إلى تحقيق الهدف الأسمى، وهو إدراك القيمة الحضارية المثلى للتنوع والعيش المشترك على قاعدة الوئام والسلام والتعايش وحسن الجوار والأخوة الإنسانية. مشيراً إلى عدد المشروعات الجديدة للمركز التي سيتم طرحها قريباً ومنها مشروع المعرض المتنقل للحوار الذي يشارك في المعارض الدولية ومشروع المدونة السلوكية لأعضاء المركز والمنتمين إليها. بالإضافة إلى باقة من الأفكار التي تتم دراستها حالياً يمكن من خلالها حشد القيادات الدينية الشابة للمساعدة على القيام بعدد من الأعمال ذات النفع العام مثل نشر القيم الإنسانية، والأخلاق، وتعزيز دور الأسرة، ومكافحة الأمراض الوبائية، ومحو الأمية، ومكافحة التلوث البيئي.