جلست الصغيرة وكومت رملاً بين ساقيها الممدودتين، علقت جرافة الرمل على اصبعيها الصغيرتين، تاركة الأمواج تقبل الشاطئ من خلفها، وكأنها عَلِمت مسبقاً أن في الجهة المقابلة ثمة شيئا أجدى بالنظر. تعلقت أنظارها بصبي يغطي جسده النحيل ثوب أبيض نظيف، أقبل يقطع المسافة من الشارع المقابل إلى الشاطئ قاصداً كرسياً خشبياً بالقرب منها، يحمل بيده كيساً ضخمًا ملقى خلف ظهره، يضم بذراعه الأخرى إلى صدره علبتي مناديل ورقية من التي ملأت الكيس عن آخره. لم يكن تأثير أشعة الشمس على صبغة الكرسي المتقشرة، متحالفًا مع رطوبة البحر التي أشبع بها الهواء، لم يكن أقل من تأثير الحلف نفسه على بشرة الصبي، فقد كانت تميل إلى أن تكون سمراء غامقة مع ملامح لا يناسبها هذا اللون، تعلو وجنتيه حمرة تغطي جلداً متقشراً وبقعاً بنية تبدو كأنها طبقات جلد محترقة. جلس على طرف الكرسي والكيس والعلبتين لم يفكا عناق يده وذراعه. لم تنفك الصغيرة تراقب تقدمه بنظراتها حتى استقرت عليه تتفحصه بعينيها، ترمش ببطء، فمها نصف مغلق، والجرافة لم تزل على اصبعيها معلقة في الهواء. تحدق فيه وهو مطرق ينظر موضع قدميه، ظهره منحنٍ والكيس يستقر خلفه على الكرسي أيضاً. مدت يدها بالجرافة نحوه: * تلعب؟ لم يعتد أن يكون مقصوداً بمثل هذا السؤال وفي هذا الوقت بالذات. هو لم يكن في هذا المكان إلا لأن الكرسي غرس أقدامه فيه. وقفت وسارت متجاهلة ذرات الرمل الملتصقة بجسدها، اقتربت منه أكثر: * تلعب، هناك أدوات الرمل الأخرى؟ كان النداء هذه المرة أكثر إغراءً، اجتذب منه نظرة بصمت مطبق إليها، ثم إلى الأدوات الأخرى المتناثرة مع الرمل مكان جلوسها، تعلقت هناك برهة، عادت إلى مابين ذراعيه، زفر زفرة عميقة، فك قبضته عن الكيس وضغط بطنه، وعاد نظره إلى مستقره الأول. * لم كل هذه العلب؟ * ... * لم لا تجيب، تشكو من شيء؟ * أنا جائع، والكيس لم يزل ملآنا ! * جائع! لماذا خرجت دون أن تأكل؟ وهذه المرة استطاعت بسؤالها أن ترسم على ملامحه ابتسامة، ابتسامة اعتادها وجهه أكثر عندما يطل داخل السيارات، ينتظر إشارة من أحدهم: * خرجت لأشتري الخبز، ونسيت أمي أن تعطيني النقود!