يعتبر نشاط (المكاتب العقارية) من الأنشطة التي صدرت بحقه قرارات رسمية صريحة، يقتصر العمل فيها على السعوديين دون غيرهم، لكن السوق شهد ولا يزال العديد من المخالفات على هذا الصعيد. فتجد أن مكتبا عقاريا تقدر عائداته بالملايين، ويتعامل مع آلاف الكيلومترات، بيعا وشراء واستثمارا، ليس به أي شخص سعودي، وان المدير والمنفذ وقابض الأموال جميعهم ممن يحملون الجنسيات الأخرى، وليس للسعودي في هذا المكتب الا الاسم، بل ان صاحب المكتب لا يعلم ماذا يجري في مكتبه. وتتجاوز بعض هذه المكاتب حدود النظام حينما تدع العناصر الوافدة في موضع المالك والمستثمر الأصلي، وليس لصاحب المكتب السعودي سوى الحصول على مبلغ شهري لا يختلف كثيرا عن الرواتب الشهرية التي يحصل عليها العمال الأجانب من كافليهم السعوديين، بينما الأرباح والصفقات الضخمة، وبالتالي التحويلات الى الخارج هي من نصيب الطرف الأجنبي الوافد، الذي جاء الى البلاد كي يعمل. لا أن يكون رب عمل متصرفا في كل شيء. ولم تكن هذه المكاتب (الوافدة أصلا والمسعودة شكلا) لتخلو من سلوكيات وممارسات مخالفة للقانون، اذ يكفي ان طريقة عملها بالصورة الحالية أكبر مخالفة، فما بالك بالسلوكيات التي تصدر عن العاملين فيها، أبرزها التدليس والغش. وتمرير الصفقات، وبالتالي الحصول على عائدات ضخمة، ليس من نصيب السعوديين الا القليل. واذا جئنا الى السلبيات الاقتصادية الأخرى، فإن من المعروف عن سوق العقار انه سوق متعدد الأنشطة، بالتالي عائداته كثيرة، كان من المفترض أن تتحول لصالح الاقتصاد الوطني يجني ثمارها المواطن بينما في حال المخالفة لقرارات السعودة خصوصا في سوق العقار فإن تلك العائدات ستضخ في اقتصادات الدول الأخرى، على شكل تحويلات مالية سنوية، تقدر بالمليارات، كان أحد مصادرها سوق العقار، مما يعني خسائر هائلة يتكبدها الاقتصاد الوطني، جراء هذه المخالفة. واذا كانت الجهات المعنية قد اصدرت جملة من التعميمات والتحذيرات، وقامت بحملة شاملة على هذه المكاتب، لمطاردة المخالفين وفرض العقوبات عليهم، فإن ذلك لا يضع حلا للمشكلة، مادامت هناك فئة من المواطنين مرتاحة لهذه المخالفة، وتكسب شيئا من المال (هي الفتات من سوق العقار). فهؤلاء هم الذين يستحقون العقوبة، التي أقلها المنع من مزاولة أي نشاط في سوق العقار، فضلا عن السجن والغرامة، كون هذا العمل جريمة اقتصادية كبيرة. وإذا كانت أزمة البطالة تطل برأسها كل يوم، والعشرات من المواطنين يبحثون عن سبل لكسب العيش الكريم، فإن منافسة غير مشروعة جراء المخالفة لقرارات السعودة تجرى في سوق العقار، تفوت على العديد من المواطنين فرصا وظيفية جيدة، وكثيرة، عطفا على التنوع الكبير في سوق العقار. على ضوء كل ذلك فإن حل معضلة السعودة في سوق العقار لن يأتي عن طريق حملة ليوم أو يومين وانما نحتاج الى خطة مفصلة للسعودة في سوق العقار، لأن العقار لا يقدم ملوخية ولا بطاطس، ولا يمكن أن يتقن التعامل مع تفاصيل العمل العقاري غير أهله. وأظن أن توطين العمل في سوق العقار اسهل بكثير منه في سوق الفاكهة والخضار.. أليس كذلك؟