عند سفرك عبر الطرق الرابطة بين المدن لابد أن تستوقفك بعض المباني المستطيلة الشكل والمهجورة على جانبي الطريق والتي يرتكز سقفها على عدة أعمدة مبنية من الحجر او الطوب، ومسقوفة بجريد النخل أو القش، وواجهتها الامامية متروكة بدون أبواب، وكذلك جدارها الخلفي. وعندما يقودك فضولك لمعرفة المزيد عنها وسنحت لك الفرصة لتسأل كبار السن ستجد إجاباتهم ممزوجة بالاهات والحنين على الماضي وتستشف من حديثهم أن القهاوي كانت بمثابة محطة المسافرين واستراحة العابرين في الماضي عندما كانت الرحلات بين المناطق تمتد لايام وساعات وفي الوقت الذي تنعدم فيه مراكز الخدمات والفنادق والاستراحات، ولم تكن هناك مواعيد مجدولة لساعات قدوم السيارات واذا أردت السفر ماعليك الا التوجه لتلك القهاوي والانتظار حتى قدوم السيارة، ومما يميز تلك القهاوي أن العاملين في الغالب من أفراد عائلة مالكها كما أنهم يمثلون مصدر معلومات موثوق فيها عند جموع المسافرين من ركاب وسائقي سيارات، فلديهم دراية بالسيارات الفائتة والقادمة، وكذلك سمات السائقين وميزات وعيوب كل سيارة ولا يجدون حرج في سؤالهم بل يعتبرون ذلك خدمة وواجب تقديمه لعملائهم. “المدينة” أثناء جولتها بمحافظة رابغ لفت انتباهها تلك المقاهي فحاولنا التعرف عليها من خلال بعض روادها.. حسين راضي الغانمي ستيني وجدناه يجلس في إحدى المقاهي على طريق مكةالمدينة القديم بشمال رابغ وسألناه عن ماضي تلك القهاوي وسر ارتباطه بها الى الان فقال: حاجة المسافرين والعابرين والحجاج دفعت الناس لانشائها وتشكل مصدر رزق لهم وفي الغالب تجد صاحب المقهى يعمل فيها بنفسه ومعه اولاده واقاربه وينشط عملها في موسم الحج ويتم اعداد الغذاء من أرز ولحم وسمك والشاي في البراد ذي أربعة فناجين، وهي كذلك تقوم مقام الفنادق حاليا ففيها سرر (كراسي) للنوم وفرش ولحف ومخدات، وتعتبر ملتقى يلتقي فيه اصحاب السيارات ويتعارفون ويتبادلون الاحاديث واخبار الطريق ومصاعبه كما كانت تمثل محطة للمسافرين حيث يجتمع فيها الراغبون في السفر من الهجر والقرى المجاورة وينتظرون ساعات طويلة من اجل الحصول على سيارة يستقلونها ويتبادلون أخبار المناطق وأوضاع سكانها وفرص العمل فيها فليس لديهم وكالات أنباء وصحف، عدا وكالتهم الوحيدة وهي ما يسمعونه وتناقلونه، أما اليوم فلم يعد للقهاوي مكانة كما كانت بعد تعدد السيارات وتقنيتها وسرعتها العالية وتحولت الى آثار وما بقي منها فهو نادر الا أنها تحظى بزوار يجلسون فيها ويجدونها متنفسا لهم، حيث طريقة الجلوس ونكهة الاكل ومذاق براد الشاي كما أن الزائر لها يتذكر الايام الخوالي والماضي الجميل لحياة أيام زمان وأهلها. وتفرش أرضية القهاوي بالحصير وبالحنابل وبعضها يوجد بها كراسٍ خشبية وطاولات وفي مقدمتها تجد ركنا خاصا بالشاي والقهوة وهو علامة مميزة في المقاهي فيما يخصص جزء في الخلف لطهي الطعام فيها وهي ليست استراحة للسائق والركاب فحسب بل للسيارة حيث يتم إيقافها مواجهة لتيار الهواء من أجل خفض درجة حرارتها والرحلة تستغرق عدة أيام والسيارات معدودة على الاصابع ومتهالكة ومن تجاوزته سيظطر يبقى ينتظر الاخرى لفترة قد تمتد ليوم او أكثر في بعض المناطق والجمالة يركبون جمالهم ويسيرون على أقدامهم حتى يصلون تلك القهاوي ثم ينامون فيها حتى الصباح وعند الصباح تتحرك السيارات من القهوة وعند العودة يعودون لنفس المكان وتحديد ثمن تذكرة الركوب (الكرى) يحدد بالقهوة التي سينزل بها الراكب، والطعام المقدم فيها غالبا يكون الأرز واللحم وفي المناطق والأرز والسمك في القهاوي القريبة من الساحل والمقاهي لها اهمية في الماضي قبل مد شبكة الطرق السريعة واقتناء السيارات الفارهة السريعة. فهد عبدالله الصبحي جاء لرابغ عله يجد قهوة على قيد الحياة. ويقول فهد: السفر من خليص الى رابغ قديما يحتم تناول وجبتين او ثلاث في رابغ، ولم تكن غير القهاوي تقدم تلك الوجبات التي لازال مذاق غذائها عالقا بالاذهان نظرا لطزاجته ومذاقه، واليوم نحرص على زيارة تلك المقاهي وتناول الطعام والشاي فيها لان الجلوس فيها يذكرك بالحياة في الماضي ولا زلنا نتذكر رائحة الاسماك التي تنطلق من تلك المقاهي وتجذب المسافر على المرور بها واليوم رغم وجود كوكبة من المطاعم الفارهة برابغ الا أنني فضلت تناول وجبة الغداء في هذه القهوة الشعبية ولا أخفيكم سعادتي الكبيرة وشعوري كما لو كنت في رحلة سياحة وسفر فريدة ولست في مهمة عمل، وبالرغم من خلوها من مكيف هواء إلا أن نسمات الهواء المتدفقة بداخلها تغنيك وتكفيك.