@ العلم في الصغر.. كالنقش في الحجر.. وكل شيء في الصغر هو علم.. المشاهد.. والصور.. والأحداث.. والكلام.. والمعايشة.. والتعليم.. وهي في النهاية تصبح جزءا من عجين.. يشكل ثقافة الناس.. وخلفياتهم.. وحتى اتجاهاتهم.. @ بعضها يستمر.. وبعضها يتم تجاوزه.. وبعضها ينكشف غموضه.. وبعضها يتم تعديل وتصحيح مساراته.. @ هذه البداية من سلسلة قادمة.. كلها من عجين تشكل في مسار حياتي.. @ في صغري.. ارتبط اسم أمريكا.. في ذهني.. باسم إسرائيل. وفي وقت.. كانت الثورات العربية.. تجسد للمواطن العربي.. بأن أمريكا دولة رأس مالية.. ودولة إمبريالية.. ودولة معادية. تكره العرب وتناصر إسرائيل.. وتتبنى وجودها وهيمنتها.. وتمدها بالمال والسلاح و الدعم البشري.. هكذا كان بداية الموروث. @ فهمت أيضا.. من بعض الإذاعات العربية.. والعالمية الأخرى.. أن كل دولة حليفة لأمريكا.. هي دولة رجعية.. وخائنة للقضية الفلسطينية.. بل.. وكل القضايا العربية. @ كان هذا الموروث من المفاهيم.. يروج لي عبر الإذاعات العربية.. وبقية وسائل الإعلام المختلفة. @ ولكوني صديقاً للإذاعة.. فقد كنت مدمنا حتى على إذاعة: (هنا لندن) القسم العربي.. والمتهمة في حينه.. بالوقوف ضد قضايا الأمة العربية. @ وكنت أيضا متابعا لمنظومة الإذاعة.. في الأقطار العربية المختلفة.. ولكن في غير انتظام.. إلا في حالة الاستماع إلى خطب القادة العرب المبجلين. @ لكني كنت في بلاد.. أرى فيها الأمريكي بأم عيني.. حتى قبل دخولي المدرسة.. ويوميا في المنطقة الشرقية.. التي تربيت فيها. بل والغريب.. أن يكون هناك أمريكي.. يقوم بتدريسي اللغة الإنجليزية.. في المرحلة المتوسطة. @ وكان هناك أيضا أمريكي آخر.. يقوم بتدريسي في مقرر خاص.. لمدارس شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو).. وهو مقرر (ورشة النجارة).. الذي كان يعلمنا.. مهارات مختلفة.. في مجال النجارة وطرق استخدام أدوات.. وآلات النجارة المتعددة. @ في تلك المرحلة.. لم يكن يبهرني في الأمريكان.. سوى بياضهم.. ولمعان شعرهم الذهبي.. ولغتهم الغريبة.. وللأمانة.. كانوا مخلصين.. وطيبين مع الطلاب. @ وعلى أية حال.. كان أبي وهو الذي يعمل في (أرامكو).. يحترم الأمريكان الذين يتعامل معهم.. وفي نفس الوقت يكن الكره لحكومتهم. كبقية العرب في ذلك الزمان وربما حتى اليوم.. @ كان يرى فيهم الأمانة..والصدق.. والإخلاص.. والدقة.. والانضباط.. والعدل الوظيفي.. والتشجيع على التعلم.. ويرى فيهم حرصهم على العمل.. وتشجيعهم عليه.. ويرى فيهم القدوة الحسنة في مجال التعامل والعمل. @ بالمقابل.. كان يكره في أمريكا موقفها من القضية الفلسطينية.. وشعبها المشرد.. وكنت اسمع أن الحكومات يهودية في أمريكا.. @ هذه الحالة المزدوجة... تمثل النقيض.. وهي الحالة السائدة بين أوساط الناس.. الذين عرفتهم أثناء الطفولة. @ وقرأت أن أمريكا.. هي التي اكتشفت النفط في بلادي.. عندما خذلها الإنجليز.. وقالوا بعدم وجود النفط في البلاد.. وبدأت اسمع.. أن الكثير من أبناء بلدي يتعلمون في أمريكا. @ وفرضت أمريكا ذاتها في نفوسنا كأطفال.. من خلال الأفلام.. التي كان يبثها تلفزيون (أرامكو) القناة 2و13 الظهران. وكنت قد شاهدت هذا التلفاز أول مرة.. عام 1961 وقبل بدء مشواري الدراسي. @ كان هذا أول بث تلفزيوني في المملكة.. وقد تم اختصاره فقط لموظفي الشركة.. وفي مناطق عملها. @ من خلاله.. عرفت أفلام رعاة البقر.. وقصص القتل.. وسفك الدماء بين الرعاة.. وكانت تعجبني خيولهم.. ومهاراتهم القتالية.. وحتى ذلك الوقت.. لم اعرف أن الهنود الحمر.. هم أهل أمريكا واليها ينتسبون. @ شاهدت أفلاماً كثيرة.. تسوق.. وتروج.. الروح الإنسانية.. للإنسان الأمريكي.. تروج.. البطولات الأمريكية.. والحياة الأمريكية التي تشعرنا بالتخلف.. ولكنها تعطينا المزيد من الدوافع.. للتقدم والعمل والإخلاص.. لنصبح مثلهم.. أبطال مميزين ومتميزين. @ كان هذا.. قبل أن اعرف أن لهامتي مجدا.