تفاقمت ازمة شركة /يوكوس/ النفطية الروسية باعلان اكبر مساهيمها ورئيسها السابق ميخائيل خودوركوفسكي عن رغبته في اقالة رئيس مجلس ادارة الشركة الحالي فيكتور غيراشينكو الذي لم يمض سوى شهر على تسلمه منصبه. وتذرع خودوركوفسكي المعتقل حاليا على ذمة التحقيق في تهم بالنصب والاحتيال والتهرب من دفع الضرائب في بيان وزعه احد محاميه امس بأن السلطات الروسية رفضت الدخول في مباحثات مع غيراشينكو الذي عجز عن ايجاد مخرج لأزمة الشركة خلال الفترة الماضية. ويعتقد خبراء اقتصاديون أن من شأن هذه الخطوة ان تؤدي الى تعقيد العلاقات مع السلطات الروسية نظرا لان غيراشينكو وبرغم نهجه المستقل في التعامل مع الحكومة الروسية يعتبر الشخص الاكثر كفاءة في الوقت الحالي لتسوية ازمة يوكوس المستعصية لاسيما انه يتمتع بمكانة مرموقة في الدوائر المالية والاقتصادية اكتسبها من خلال عمله لمدير للبنك المركزي الروسي وكخبير في صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من عدم توافر معطيات دقيقة حول مواقف كبار مساهمي شركة يوكوس ازاء رغبة خودوركوفسكي هذه فان هؤلاء الخبراء يشككون بقدرة خودوركوفسكي فعليا على ازاحة غيراشينكو من منصبه بسهولة لاسيما ان هذا الامر يتطلب عقد جمعية عمومية للمساهمين الذين يهمهم بالدرجة ضمان مصالحهم الاقتصادية وليس نزوات خودوركوفسكي الذي يواجه في السجن تهما جدية. وبغض النظر عن تفاعلات هذه القضية اعلن مجلس ادارة شركة يوكوس عن استعداد الشركة لدفع 3ر1 مليار دولار خلال الشهر الجاري لتسديد جزء من المديونية التي يبلغ حجمها 4ر3 مليار دولار والتي فرضتها الدولة على يوكوس عقابا لها على تهربها من دفع الضرائب عن عام2000. ومن اللافت للانتباه ان شركة /يوكوس/ التي أثارت الرأي العام المحلي والعالمي حول اعتقال رئيسها السابق خودوركوفسكي وحاولت جاهدة اعطاء هذه المسألة طابعا سياسيا لم تقم بالحد الادنى من الجهد لتسوية ازمتها المالية مع السلطات الروسية. كما انها لم تتقدم بطلب رسمي الى الهيئات المعنية باعادة جدولة المديونية ووضع آلية ميسرة لتسديدها. هذا الامر اكده نائب رئيس وزير المالية سيرغي شاتالوف ردا على سؤال لوكالة الانباء الكويتية خلال لقاء مع رابطة الصحافيين الاجانب قائلا ان شركة /يوكوس/ لم تتقدم بمثل هذا الطلب للسلطات المعنية والذي لا بد منه للبدء في اتخاذ الاجراءات المطلوبة وتحديد الآلية الخاصة بذلك. والأكثر من ذلك لفت شاتالوف نظر ادارة الشركة الى حقها في ان تطالب الدولة بحسم المستحقات الناجمة عن ضريبة القيمة الزائدة التي سددتها الشركة والتي تعادل حوالي 500 مليون دولار من مجموع المديونية المفروضة على الشركة. ويعتقد الخبراء جازمين أن اجهزة السلطة القضائية في روسيا ستواصل تنفيذ الاحكام الصادرة بحق الشركة بتحصيل هذه الديون بتجميد حساباتها وودائعها ومراجعة حسابات المؤسسات المتفرعة عنها وغيره من الاجراءات مادامت ادارتها لم تتخذ الاجراءات الرسمية لاعادة جدولة المديونية المستحقة. وبالطبع لا ينطلي على المراقبين السياسيين ان ادارة الشركة لا تريد تقديم طلب رسمي باعادة جدولة الديون لأسباب عدة اهمها عدم الرغبة في الاعتراف بشرعية التهم الموجهة الى الشركة بالتهرب من دفع الضرائب. والسبب الثاني هو الاصرار على اعطاء طابع سياسي وليس جنائيا لاعتقال خودوركوفسكي في حين ان السبب الثالث هو اقناع الرأي العام المحلي والعالمي بأن السلطات الروسية تحيد عن نهج الاقتصاد الحر. ويبدو هذا التوجه غير منطقي لاسيما بعد ان وجه خودوركوفسكي نفسه من السجن سلسلة من رسائل التوبة والتي لم يقر فيها بصورة غير مباشرة بمسؤوليته عن التطورات التي لحقت بالشركة فحسب بل حمل فيها ايضا على النهج الديموقراطي الليبرالي. كما دعا رفاقه الى اعادة النظر في نهجهم السياسي وحث الطغمة المالية على بلورة نهج يخدم الصالح العام والانفتاح نحو التعامل مع النظام السياسي القائم في البلاد. وكانت المحكمة الروسية قد جددت اتهامها لخودوركوفسكي بالنصب والاحتيال والتآمر بهدف الاستحواذ بطريقة غير شرعية على اسهم عدد من المؤسسات والتسبب في الحاق ضرر بمصالح الدولة يقدر بمليار دولار ما يقتضي صدور حكم بسجنه عشر سنوات في حال ثبوت التهم ضده. وكان من الطبيعي ان يستغل بعض القوى السياسية قضية /يوكوس/ من اجل التشهير بالنظام السياسي واتهامه بالنكوص عن نهج التحولات والاقتصاد الليبرالي وممارسة الضغوط على اجهزة الدولة والمنظومة القضائية من خلال تحريض وسائل الاعلام وتنظيم فعاليات جماهيرية معارضة لمحاكمة خودوركوفسكي ومطالبة بالافراج عنه. ويبدو ان السلطات الروسية على استعداد لمعالجة قضية يوكوس على اساس الاخذ بعين الاعتبار الجوانب السياسية والاقتصادية وعدم التوقف عند الاسس القضائية والجنائية والحيلولة دون افلاس هذه الشركة العملاقة التي يعمل فيها 150 ألفا والتي تؤثر على السوق النفطية المحلية وعلى معدلات انتاج النفط في روسيا. لكن الحكومة تشترط أن تقر ادارة الشركة بصورة واضحة بانتهاك قانون الضرائب والتعامل مع التهم الموجهة اليها في اطار التشريع والقانون. وهذا ما لمح اليه نائب وزير المالية سيرغي شاتالوف من ان الحكومة الروسية تخلت منذ عام 2000 عن اعادة جدولة الديون لاعتبارات سياسية خوفا من استغلال تلك الآليات لكنه لم يستبعد العودة الى هذه الآليات في التعامل مع شركة يوكوس على اساس قرار استثنائي تقره الحكومة الروسية نفسها. وعموما فان الخبراء الماليين يؤكدون ان قضية يوكوس وبرغم التوتر الاجتماعي والسياسي الذي تثيره فانها عادت بفائدة جمة لانها دفعت الشركات العملاقة لاسيما النفطية منها الى توخي الدقة في سياستها الضريبية واللجوء الى تسوية خلافاتها مع الهيئات المالية المختصة بهدوء بعيدا عن الضجيج الاعلامي.