عملية الابتزاز التاريخية مستمرة لكي تبقى عقدة الذنب طرية في أذهان الاجيال الجديدة. تعيد الحركة الصهيونية ألمانيا للواجهة من الباب المالي حيث أنها تريد تعويضات جديدة من الحكومة الألمانية. فقد تقدم أحد المحامين بدعوى جاء فيها أن برلين استفادت من مقتنيات فنية تعود ملكيتها ليهود. وقال المحامي الأمريكي آد فغان وهو يهودي الأصل، ان على ألمانيا دفع ثلاثة مليارات من الدولارات كتعويضات عن الأموال التي جنتها من المقتنيات الفنية اليهودية، والتي تعود ملكيتها لضحايا النازية ومعسكرات الاعتقال. وبهذه الطريقة وإذا ما كسب فغان دعوته أمام القضاء وهذا وارد جدا لأن ألمانيا ومعها أوروبا الموحدة ترضخ وتخضع للابتزاز الصهيوني والأمريكي حين يتعلق الأمر باليهود والأعمال النازية والتعويضات وما شابه ذلك. أدعى فغان أن الحكومة الألمانية تملك ألفين من القطع الفنية النادرة وقيمها ب15 مليار يورو، ولكي تستغل جماعة يهودية هذه القضية الجديدة المعلقة على شماعة النازية ورعب المعسكرات الرهيبة، فقد قررت الإعلان عن تأسيس اتحاد ضحايا النازية ويختصر بالاسم "اهفرام" ومقره الولاياتالمتحدة. وسوف يقوم هذا الاتحاد بمقاضاة دول عدة منها ألمانياوالنمسا وفرنسا وحتى الولاياتالمتحدة لمشاركتها أيضا في الاستيلاء على ممتلكات وثروات فنية ليست ملكها ولها ورثة وأصحاب. وكانت ألمانيا في فترات سابقة أعادت مقتنيات فنية تقدر بملايين الدولارات، كما أن حكومة النمسا بدورها كانت قد خسرت قضايا مشابهة، وكذلك سويسرا. هذا كله يأتي ضمن حملات منظمة تقوم بها دوائر صهيونية عالمية لإبقاء عقدة الذنب حية عند الذين ساهموا أو تفرجوا على ما فعلته النازية باليهود، مع أن أفعال النازية المشينة طالت الجميع ولم تشمل اليهود فقط (مع أنها خصتهم بتمييز معين). وقد أثمرت تلك المخططات والحملات القانونية والأخرى السياسية مليارات كثيرة من التعويضات استولت عليها المنظمات الصهيونية والحكومات المتعاقبة للكيان الإسرائيلي، وجاءت التعويضات من ألمانيا ودول أوروبية أخرى. السؤال الذي كان يطرح دائما هل يحق لإسرائيل جني هذه الأموال التي ليست أموالا لرعاياها أو لسكانها، فهي دولة قامت بعد الحرب من خليط من المهاجرين اليهود من كل بقاع الدنيا وهناك من قادتها من تعاونوا مع النازية بشكل علني، من اجل تهجير اليهود الى فلسطين عنوة.فكيف لها كسب التعويضات بينما الضحايا من اليهود كانوا رعايا لدول أوروبية مختلفة وليسوا من كيان بالأصل لم يكن موجودا. إسرائيل تستثمر الضحايا والمحرقة والأعمال النازية منذ قيامها وحتى يومنا هذا لتعزيز قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وقد جنت الكثير من المكاسب على كل الأصعدة كنتيجة لتلك الأعمال النازية البشعة. حتى ان العالم يغض النظر عن أعمالها الإجرامية والإرهابية بحق الشعب الفلسطيني كنوع من الخوف من الماضي الرهيب. ونفس هؤلاء لا يلتفتون لضحايا الخريطة الجدد، حيث ان سياستهم تساهم في ذبح الشعب الفلسطيني وعلى الأقل لا تساهم في إنقاذه من مصير كانت تعرضت له الأقلية اليهودية في أوروبا، فالفلسطينيون يقتلون ويعذبون ويسجنون في مدن ومعسكرات ومعتقلات مغلقة ومحاصرة بكتائب الاستيطان الإرهابية المسلحة وبجيش احتلال عنصري اقتلاعي، يمارس الإرهاب المنظم بحق السكان المدنيين دون محاسب او رقيب، وإسرائيل تواصل سياستها الهمجية والوحشية دون الالتفات لأحد، فهي متسلحة بالماضي الجاثم على صدور الأوروبيين بالذات وبالحاضر الذي يستمد عنصريته وهمجيته من الانفلات الأمريكي. إسرائيل تسير بثبات على خطى النازية ولا يمكنها في المستقبل الإفلات من تبعات سياساتها الإجرامية، فلكل زمان دورته ودورة الكيان الصهيوني لابد قادمة، والمثل يقول "ما من طير علا إلا مثلما علا وقع"، ووقوع إسرائيل ليس سوى عامل وقت، وحين تتغير وتتبدل القوانين العنصرية والاستعلائية التي تحكم عالم اليوم، وتجعل من الذين يقتلون الفلسطينيين ضحايا ومن الضحايا إرهابيين، هكذا بكل بساطة وبكل وقاحة، حينها لا بد للفلسطينيين أن يطالبوا بتعويضات عن وطن كامل سلب لسنين طويلة، وعن عذابات ملايين البشر وأجيال من السكان الأصليين الذين طردوا من بيوتهم وفقدوا ممتلكاتهم ، وعن الآخرين الذين بقوا في أرضهم فتم استغلالهم واستعبادهم ومعاملتهم معاملة عنصرية. ويومها على الفلسطيني أن يطالب كل يهود العالم بالتعويض عما لحق به من أذى وويلات وخسائر معنوية ونفسية ومادية طوال سنوات الإرهاب والاحتلال التي تكللت هذه الأيام بسرقة المزيد من الأراضي وبناء الجدار العازل وهدم البيوت وتدمير وتخريب الممتلكات واقتلاع ملايين الأشجار. شعب فلسطين في معاناته على أيدي يهود الكيان الصهيوني يعيد لذاكرة البشر الطريّة ذكرى معسكرات الاعتقال والموت النازية. فقد تعرض ومازال يتعرض لعملية اجتثاث لم يعرف التاريخ لها مثيلا. ورغم هذا نجد ساسة أمريكا وبعض الدول الأوروبية يتسابقون على كسب ود اللوبيات اليهودية والحركة الصهيونية وحكومة الاحتلال الإسرائيلية. ومؤخرا.. خرج علينا المرشح الأمريكي الديمقراطي للرئاسة جون كيري بتصريحات عدوانية وعنصرية تؤكد ان لا فرق في عدائهم للشعب الفلسطيني وانحيازهم للصهاينة. الجمهوري يتحدث بلسان صهيوني فصيح والديمقراطي ينطق بصهيونية أكثر فصاحة، فكيري يعتبر جدار الفصل العنصري شرعيا ولإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها، ويرفض التفاوض مع عرفات معتبرا إياه فاشلا، ويدعم خطة شارون للانسحاب أحادي الجانب ويعارض حق اللاجئين بالعودة ويؤيد سياسة الاغتيالات والتصفية والعدوان على الشعب الفلسطيني، كما يؤيد نقل سفارة أمريكا إلى القدسالمحتلة، ويريد الحفاظ على تفوق إسرائيل عسكريا، كيري يتسابق مع بوش على كسب ود يهود أمريكا ولذلك فهو على استعداد لتبني أي موقف يضمن أصواتهم. وتلك الأصوات ستكون كلفتها مرتفعة فلسطينيا وعربيا وإسلاميا. اوسلو (عن ميديل إيست أون لاين)