هذا موضوع قد تستغرب أن نتطرق إليه في باب ناصح الرشيد، ولكني بعد إطراقة تفكير رأيت أنه يجب أن أتحدث عنه وحوله، لأنه أولا جاءني برسالة يريد فيها منشئها جوابا أكيدا، وثانيا وجدت أن مدخل استنكار السائل هو كما يقول عن فئة موجودة في هذا البلد ولابد أن تحترم.. والرسالة في اختصار تقول:(هناك حملة عنيفة على التصوف وأسفت لذلك لأن التصوف علم يعرف به الإنسان كيف يحكم العمل بالكتاب والسنة ليكون عند الله مقبولا.. إلى آخر الرسالة). طبعا تم اقتطاع أجزاء من الرسالة وأرجو ان يسامحني منشئها على ذلك، ولكني أحب أن أقول لصديقي أن من يحتج على الفكر والمناحي الصوفية له كثير من الأعذار والمبررات والأسباب، أولها برأيي الأكيد أن الكتاب والسنة واضحان كل الوضوح ولا نحتاج لمرشدين روحيين ولا لأقطاب ليقوموا لنا بتفسيرهما، فالأحلام والعقول وزعها الله علينا ويحاسبنا على مقدارها، ويحتج إلى صاحب العلم لا لكونه شخصية متميزة بل إن رأينا أنه نهل من علوم الشرع أكثر منا، ليس إلا! ولن أحتاج للنقاش معك عن الفكر الصوفي بل نحتكم لأقوالهم المنشورة، وكتبهم المعروفة، بل إن بعض الأقوال يعف القلم والضمير والوجدان من نشرها ولكن سنشير إليك في ماذا يحتج به على الصوفية.. لابد أن من قرأ كتب التصوف مثل (مواقع النجوم) و (فصوص الحكم) و"ترجمان الاشواق" وكلها لابن عربي والذي يسميه الصوفية (الشيخ الأكبر) و(الكبريت الأحمر) أو للجيلي الذي يحب أن يدعى العارف الرباني وهو زعم خائب كما ترى، واقرأ ديوان ابن الفارض وانظر لقبه (سلطان العاشقين) وهو يعني العشق الرباني، ولا أدري إلا أن التأدب مع الخالق لا يليق بهذا التخاطب، ولك أن تقرأ كتاب (الطبقات) للشعراني.. وبمراجعة بسيطة تدرك ما يحق للمحتجين أن يحتجوا به. مثلا ابن عربي يقول في (الفصوص) إن الله يتجلى أعظم ما يتجلى في صورة المرأة (!) هل هذا كلام يليق ومن أي مصادر الكتاب والسنة استجلاه، وتعرف أن للسنة منحى واضحا في أوصاف الخالق سبحانه.. وهذا لا يتعدى سخف القول، بل يمضي (الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر!) ويشرح نظريته فيما يعف اي قلم عاقل من أن يكتبه، ولابن البيطار شعر قبيح من سوء الأدب ذكره أدبا أمام القراء، والمراجع موجودة، وأما ابن الفارض (سلطان العاشقين) فلا فرق عنده بينه وبين ربه - واستغفر الله استغفارا موصولا - ويقول (الجيلي) قصيدة نكراء يدعي فيها أيضا الكينونة الواحدة مع الإله (جل الله عما يدعون) واختار لك أخف بيت من قصيدته وقعا مع ثقلها على قلب كل مؤمن واع بعقل منطقي سليم، أنظره يقول: وقد حزت أنواع الكمال وأنني جمال جلال الكل، ما أنا إلا هو (!!) ولاشك يا أخي أنك تستنكر هذا الكلام كل النكران كما يفعل كل مسلم نظيف العقيدة، وما ذكرناه ليس إلا أقل القليل، ومن أعف ما قيل، مما تفيض به الكتب الصوفية مما لا يعقل ولا يقبل ولا يهضمه ضمير. إن كانت الصوفية غير ذلك فليتبرأ من كل هذا التراث والمؤلفات علماء الصوفية. أما أن انتقادهم يساهم في التفرقة بين أبناء الوطن فهو غير صحيح، فهناك صفات أساسية تجمعنا وهناك فروق صغيرة تتيح تغير الطيف واللون ولكن في الجدار الواحد، ولكن الخروج الصريح عن الفهم الديني العام هو أكبر من مجرد خروج من الصف الوطني. وكل ما أريد لك ولي أن نرجع للنبع الصافي من غير فذلكة ولا تمنطق ولا غلو أو تعصب.. كلنا نلتقي هناك. محبك والداعي لك: ناصح