حالة من الالم المريع تتملكك عندما تشعر انك مهمش وغريب في عملك الذي تقضي فيه ثلث أو ربع الوقت الذي تقضيه في بيتك، فما بالك لو عشت حالة النفي والاغتراب والتهميش داخل بيتك لخطأ لم ترتكبه أو لخطأ ارتكبته ثم ندمت وتبت؟ وهل يمكن للانسان ان يشعر بالغربة داخل منزله الذي ألف ارجاءه وألف الوجوه التي عاش معها؟. وماهو شعورك عندما يصبح البيت/السكن محطة عابرة لاتشير لغير القلق والترحال؟ وهل يمكن ان يعيش أحد أو كل افراد الاسرة كما لو كان غريبا يمضي الليل في أحد الفنادق ليعلن الرحيل صباحا؟ وهل يعقل ان تختزل الحياة الزوجية في مجرد ورقة زواج برسم الطلاق غير المعلن؟ وماالذي اقترفه مريض بالتوحد وضعته اسرته في حجرة وقيدته بالسلاسل وعاملته كحيوان وأقل؟ وماهذا الجشع الذي يدفع بأخ ان يضع أخته في حجرة مغلقة ويعاملها معاملة الخادمة لانها رفضت التنازل له عن ميراثها؟ الحكايات كثيرة والاسئلة قاسية وصادمة ولكنها لم تأت من فراغ، أو من اختلاق انما تكشف عن حكايات وراء الجدران وتعلن عن قضية اجتماعية خطيرة تقود الى تفكك الاسرة وتشير الى حقائق موجعة عن الخيبة والعزلة والفقد والالم. من هنا نبدأ من أين نبدأ وبأي الحكايات والقضايا التي سمعناها وعلمناها، هل نبدأ من القضايا الزوجية أم من قضايا القهر الاجتماعي؟ تقول س. م وهي تعتصر ألما في رسالتها الموجعة التي ارسلتها بصدد حل مشكلتها انها واختها تدرسان في احدى الكليات وقبل تخرجهما بعام مات الاب تاركا وراءه بعض المنقولات والاراضي والاموال ولهما أخ واحد يعمل موظفا ويقطن معهما في البيت وحالته المادية جيدة، فوجئت الاختان بالاخ الاكبر يحول بينهما ويبن الدراسة دون سبب ولكنهما اكتشفتا بعد فترة انه يريد تنازلا منهما او توكيلا بالبيع والشراء من أجل اعادتهما الى الدراسة.. ولكنهما بعد استشارة بعض الاقارب رفضتا ذلك وكانت الغربة والالم.. اذ حبسهما في غرفة لاتخرجان منها الا الى الحمام ويقدم لهما الطعام كضيوف وقطع عنهما الهاتف واخذ الكمبيوتر والتليفزيون.. وهما على هذه الحال منذ شهور، تعاملان كغريبتين داخل المنزل الذي شهد سعادتهما وطفولتهما اثناء حياة الام التي توفيت قبل الاب والاب الذي لبى لهما كل ما تريدان.. وتتمنى س. م. ان تعود هي واختها لكليتهما ولاتعرف ماذا تفعل ولمن تشتكي وهي بهذا الوضع؟ من غربة الى غربة يقول محمد. ن. الذي وجدناه يهيم في شوارع الدمام بلا مأوى معفر الوجه رث الهيئة: لقد يئست من اخوتي الذين نبذوني بعد خروجي من السجن لجريمة ليس بها اخلال بالشرف فانا لم اسرق ولم أقتل ولكنها كانت مشادة عادية اصيب فيها أحد الاشخاص وحكم علي بالسجن ستة شهور خرجت بعدها لأجد نفسي غريبا في بيتي بين اخوتي واخواني لا أحد يكلمني ولا أحد يسأل عني حتى انهم ابعدوا أولادهم عني وكأن بي مرضا معديا. لقد اصابني الاحباط واليأس اذ أجد أخي يضع لي مصروفي المستحق من ميراثي امام باب غرفتي التي خصصوها لي بالقرب من المجلس فماذا بقي بعد أليس الشارع افضل؟ ميراث الالم الكثير من الازواج.. يتصورون ان الانفصال او الطلاق يضع حدا فاصلا للغربة الداخلية وينهي كل مشاعر الاغتراب التي ارتفعت كالجدران بينهم لكنهم دون ان يدروا يتركون هذه المشاعر ارثا لابنائهم وبناتهم فكيف تستطيع طفلة لم تتجاوز عامها الثالث.. حمل ذلك الارث الكبير من الوجع؟ تقول ن ح م: بدأت مأساتي عندما كنت في الثالثة من عمري عندما قرر والدي الانفصال عن والدتي وعندما تصور كل منهما انه وضع نهاية لمعاناته مع الآخر فقد كانا يعيشان تحت سقف واحد كما الغرباء، مشاكل مستمرة وخصام يمتد احيانا الى شهور ولا اتذكر مرة انهما جلسا معي في وقت واحد لان التوتر والخصام والعراك المستمر كانت كلها اسبابا تطرد المودة والرحمة، ولذلك كان من الطبيعي ان يحدث الطلاق لكن غير الطبيعي ان احدا منهما لم يفكر في، ولم يدرك ما الذي يمكن ان يحدث لي وهذه هي مأساتي الحقيقية لقد تزوجت امي بعد شهور قليلة من طلاقها ولم يقبل زوجها ان اعيش في حضنها، وكذلك لم يقبل والدي ان اعيش مع زوج امي، اخذني الى بيته وازدادت غربتي فهو رجل اعمال يسافر كثيرا وكأني اصبحت بلا اب وبلا ام وليت الامر بقي على هذا الحال فقد تزوج والدي هو الآخر وكما رفض زوج امي ان اعيش معها رفضت ايضا زوجة ابي ان اعيش معه كنت اكبر مع مأساتي واعيش مشردة تركني والدي وسافر مع زوجته الى مكان آخر بحكم عمله وتركني لدى والدته (جدتي) لكن لم اكن اشعر بالارتياح وعرفت التنقل بين بيوت اقاربي، عشت 15 عاما ضائعة بين بيت جدتي لابي وبيت جدتي لامي وبين بيوت اعمامي واخوالي وخالاتي وعماتي.. في كل بيت كانت تتغير شخصيتي.. كل بيت يريد ان يفرض علي نظامه، انام وقت ما يريدون لي ان انام واكل حينما يشعرون هم بالجوع كل شيء افعله بقصد او بدون قصد يحاسبونني عليه حسابا عسيرا لم اشعر اني طفلة كباقي الاطفال اصبحت انطوائية مكسورة النفس والمشاعر وحتى الاطفال الذين عشت معهم في كل تلك البيوت، كانوا غرباء عني كانوا يضربونني، كانوا يستغربون وجودي بينهم، وبعد ان تشكلت شخصيتي من هذه المعاناة وبعد ان اقتربت من عامي العشرين كان على ابي ان يتذكر ان له بنتا في مرحلة خطرة، وانه يجب ان يضعها امام عينيه حتى لا يحدث مالا تحمد عقباه.. جاء واصطحبني رغم اعتراض زوجته وعشت معه في المدينة التي يعيش فيها، وجدت بيتا كبيرا واخوة لي لم اكن اعرف عنهم اي شيء لكن بعد ماذا؟ لقد ضاعت ملامح شخصيتي فشلت في الدراسة واصبحت انسانة كسيرة لا تعرف كيف تتعامل مع الناس ولم ينتشلني بيت ابي من ذلك الضياع فقد تضاعفت مشاعري بالغربة داخل بيت ابي وحتى اخواني واخواتي كانوا يشعرونني باني دخيلة عليهم وغريبة عنهم ولا مكان لي بينهم هذا بالاضافة الى ان زوجة ابي تعاملني على اني خادمة يجب ان تعمل بأكلها وشربها وملبسها، يخرجون بدوني ويلعبون بدوني ويفرحون بدوني ووالدي غائب تماما لا يشعر بوجودي ولا يستمع لكلامي وليس امامي سوى الاحتمال او انتظار الرجل الذي يبحثون عنه للتخلص مني بالزواج. نكران وجحود اذا كانت القصة السابقة تعكس صورة من صور ظلم بعض الآباء والامهات لابنائهم فهناك وجهة اخرى لنفس الصورة وملامح اخرى لنفس الظلم لكنه ظلم الابناء لآبائهم وامهاتهم فمثلما شعرت الابنة في القصة السابقة انها غريبة في بيتها او بيت والدها وبين اخوانها واخواتها شعرت الام هنا انها غريبة في بيتها.. في ملكها، وانها بعد ان حملت، ووضعت وربت وافنت عمرها في الرعاية والتربية لم تحصد سوى الجحود والنكران والالم. كيف؟ تقوم هدى د ع (24 سنة) مات زوجي قبل اربعة عشر عاما مات وترك لي اربعة اولاد لاحمل همهم وحدي وبعد ان مات اصبحوا كل حياتي نذرت عمري وكل ما املك لتربيتهم وتعليمهم رفضت كل عروض الزواج رغم اني وقتها كنت صغيرة وجميلة ومن السهل ان اتزوج كان يمكن ان افعل مثل الكثيرات واتركهم لاهل والدهم بحثا عن سعادتي الشخصية لكني لم افعل فضلت ان اعيش لهم وحدهم اغلقت بابي وكل نوافذي في وجه اي ريح غريبة لقد كان زوجي رجلا لا يملك سوى معاشه من عمله ومع ان والدي ترك لي ارثا كبيرا الا ان زوجي كان عزيز النفس ولم يقبل مني اية مساعدة لم يفكر مرة ان يبيع شيئا من ارثي مع انه كثير كان يواجه مصاعب مادية كان رجلا جعلني حتى بعد موته اعيش مخلصة له وابقى على ذكراه بقية عمري وكأنه يحافظ على ما لدي لمعرفته باننا سنحتاج من بعده ومنذ ان رحل وانا ابيع الشيء تلو الآخر لم احرم اولادي من شيء والحمد لله وصلت بهم الى بر الامان تعلموا وتزوجوا جميعا ولكل منهم بيته الخاص وحياته الخاصة لكن عندما جاء دور الابن الاصغر في الزواج كان الميراث كله قد تبدد ولم يبق منه سوى البيت الذي يأوينا عرضت عليه ان يتزوج ويعيش معي في البيت قلت له ان اخوانك يعيشون بعيدا عني فابق انت معي لاتتركني وحدي في هذا البيت الكبير دعني ارب اولادك واضع زوجتك ملء عيني فوافق وعندما استشار عروسه واهله وافقوا هم ايضا لم اكن اعرف ان موافقتهم خطة لطردي من بيتي لقد مرت الشهور الاولى وانا اعيش معهما في سعادة ليس لها حدود شعرت باني احصد بعضا من الفرح الذي فقدته وانني وصلت الى المحطة الاخيرة التي سوف ارتاح بعدها لكنها لم تكن سوى محطة جديدة لشقاء جديد اكتشفت ان ابني مجرد لعبة في يد زوجته هي التي تفكر له وتخطط له وقبل ان يمضي العام الاول اصبحت هي سيدة المنزل وهي التي تأمر وتنهى واصبحت انا غريبة في بيتي وعزلتني في غرفة صغيرة اصنع طعامي لنفسي وآكل وحدي واغسل ملابسي بنفسي وفي كل مرة انتظر ان يرد لي ابني اعتباري لكنه لم يفعل بل كان يرى ان زوجته على حق وهكذا مرت سنوات اخرى من العذاب كنت كلما ضاق بي الحال اذهب الى اولادي الآخرين لكن لديهم لا اشعر براحة واجد نفسي ضيفة ثقيلة وبعد يوم او يومين اعود الى ما كنت عليه. اعود الى زوجة ابني التي عاملتها كابنتي وعاملتني كأمرأة عجوز لا تستحق الحياة وعندما اردت ان احسم الامر بنفسي واضع حدا لتلك المهزلة اعرفها بان هذا البيت بيتي ويجب ان تحترمني ما دامت تعيش معي فيه اكتشفت مالم اكن اتوقعه اكتشفت ان ابني سرقني واستغل التوكيل الذي اعطيته له وباع بيتي لزوجته هنا فقط عرفت كيف وافقوا على الزواج ولماذا اصبح لعبة في يديها لكن ما افعل في هذه المصيبة الكبرى الى اين اذهب وكيف اتحمل الحياة في بيت اصبحت غريبة عنه حتى بالوثائق والاوراق لقد اجتمعوا وفكروا بالانابة عني ووجدوا ان المكافأة التي استحقها بعد ان ضيعت عمري ومالي من اجلهم ان يضعوني في مركز لرعاية العجزة والمسنين. اغتراب عاطفي ليس بالضرورة ان تكون مشاعر الغربة داخل المنزل، حجر عثرة لايزاح الا بالانفصال او الطلاق اذ يمكن ايضا ان تستمر الحياة الزوجية حفاظا على الاولاد لكنها في نفس الوقت تبدو منتهية فالزوجان يعيشان معا بسبب الاطفال فقط وكل منهما منفصل عاطفيا عن الآخر وهذا صورة اخرى للاغتراب داخل المنزل فلا الزوج يشعر بارتياح في منزله ولا الزوجة تشعر باستقرار حياتها ولا حتى الاطفال يمكن لهم العيش وسط اجواء خالية من مظاهر الالفة والتراحم لكن هذا ماحدث ويحدث لدى الذين يعتبرون انفسهم اكثر عقلانية من غيرهم فهل تنجح حياة بهذا الشكل. يقول ن ع ع: مضى على زواجي الآن اكثر من 25 سنة وقبل 7 سنوات بالتحديد شعرت ان كل اساليب التفاهم بيني وبين زوجتي انتهت ولست وحدي الذي شعرت بذلك فهي ايضا انتابها نفس الشعور ولم تعد تحتمل كلامي ولا انا احتمل كلامها مع اننا لسنا صغيرين حاولنا اصلاح الامر بشتى الطرق لكننا فشلنا انا فعلت كل ما بوسعي وهي كذلك لكن لم نستطع فعل اي شيء بداية الامر تصورنا ان هناك من قام بعمل سحر لكي يفسد حياتنا المستقرة وبحثنا كثيرا في هذا الجانب وانتهى بنا الامر الى الاستسلام للامر الواقع ومحاولة استمرار الحياة بهذا السوء حفاظا على اولادنا لانهم في مراحل عمرية ودراسية حرجة بالاضافة الى اننا اصبحنا اجدادا ومسألة الطلاق تعتبر شيئا خطيرا على حياة اولادنا لقد عالجنا الامر بعقلانية وبيننا احترام متبادل، صحيح ان اولادنا غير المتزوجين الذين يعيشونا معنا، يلاحظون بعض التغييرات بيني وبين والدتهم لكننا نحاول ابعادهم عن الخوض في تلك التفاصيل وزوجتي بالمناسبة سيدة عاملة وربما هذا ما جعل الامر هينا اذ لدى كل منا ما يشغله ورغم ان الحياة بهذا الشكل ليست سهلة الا انها الخيار الوحيد في ظل وجود اولاد واحفاد وبعد مرور 25 سنة زواجا لان حدوث زواج او طلاق في مثل عمرنا وبعد كل تلك السنوات يمكن ان يحدث شرخا كبيرا او يسبب لاولادنا مشاكل لا نعرف مداها. مواهب متأخرة في مثل ظروف فجائية كتلك التي القت بظلالها على زوجين مستقرين لاكثر من 25 سنة كان عمل المرأة هو المكان الذي تدفن فيه بعض همومها لكن عندما تكون المرأة لا تعمل وعندما تكون صغيرة السن هل بالامكان ان تمشي الامور بنفس العقلانية السابقة؟ ربما يكون الامر بالغ الصعوبة لكنه في تلك الصورة ايضا حدث رغم صعوبته وهاهي الحياة تسير على وتيرة الانفصال العاطفي وعلى تيرة الاغتراب داخل المنزل الواحد فكيف حدث ذلك؟ تقول ر م ف (31 سنة) قبل الزواج عادة تكون المشاعر مزيفة ومصطنعة فالشاب يفعل المستحيل لكي يبدو مثاليا لدى الفتاة واهلها وكذلك تفعل الفتاة المستحيل لكي تبدو الزوجة المناسبة ان هذا للاسف ما يحدث في المجتمعات العربية لذلك بعد الزواج تتبدد هذه القشرة المزيفة ويظهر الوجه الحقيقي لكلا الزوحين ومن الطبيعي ان تحدث اختلافات وهذه الخلافات انواع واشكال بعضها يتم التغلب عليه وتسير عجلة الحياة وبعضها لا يمكن التغلب عليه فيكون الاستمرار في منتهى الصعوبة وبالنسبة لي شخصا قد اختلفت مع زوجي منذ الشهر الاول لزواجنا ادركت انه خدعني في اشياء كثيرة وهو بالتأكيد اكتشف اني لم اكن مثالية بالصورة التي توقعها حاولنا كثيرا ومضت ست سنوات على زواجنا انجبنا ثلاثة اولاد لكن حياتنا العاطفية في كل يوم كانت تزداد فتورا وشحوبا وصلنا الى مرحلة. يمكن الاستمرار معها, لكن ما ذنب الاطفال, وما ذنبنا نحن في الفشل, وكيف نبرر ذلك الفشل امام انفسنا؟ هذه كلها كانت اسئلة دفعتنا للتعقل, اتفقنا على ان نعيش لأولادنا في ظل رتابة تلك الحياة لكن زوجي لم يصمد طويلا فبعد شهور قليلة تزوج من اخرى واخذ لها بيتا مجاورنا لنا وهكذا يبدو موجودا معنا باستمرار وبالتالي اصبحت علاقتنا العاطفية وكأنها واجب يفترض ان يؤديه الرجل.. حتى وان لم تكن هناك مشاعر صادقة كان علي ان ابحث عن شيء اشغل نفسي به حتى لا انفجر, وبالفعل نميت موهبة كنت اظنني نسيتها, هي صناعة بعض المشغولات اليدوية في المنزل ومع مرور الوقت اصبحت تلك الهواية مشروعا يدر على ربحا ماديا معقولا, فقد فتحت محلا ومشغلا صغيرا واخذ هذا المشروع وقتي ولا اشعر بالغربة الا عندما اعود الى المنزل ولا ادري كيف سيكون وجه حياتنا القادمة على هذا النحو لكن هذا ما اعيشه الآن بالفعل احيانا افكر في طلب الطلاق, لكني سرعان ما اطرد الوساوس خصوصا ان زوجي رغم مرور تلك السنوات يكاد يكون موجودا بيننا بشكل يومي, وبعد نجاحي في مشروعي اصبح سعيدا واكثر استعدادا لاستئناف حياتنا بشكل طبيعي, وربما يحدث ذلك لكن متى؟ لا ادري وليست لدي اجابة شافية. وجوه مختلفة كل تلك القصص ملامح لصورة واحدة صورة الاغتراب الوجداني والعاطفي بين الزوج وزوجته وبين الزوجة وزوجها, وكذلك بين الابناء وآبائهم, والآباء وابنائهم, كلها تطرح سؤالا دراميا عميقا, وكلها تصب في اناء واحد اناء العزلة والغربة ومشاعر الفقد والحرمان لكن هذه الصورة المتعددة الأوجه, ومع تأثيرها على علاقة الاولاد بذويهم. تضعنا امام معضلة نفسية واجتماعية لها اسبابها ومفاهيمها, وهنا تؤكد استاذة علم النفس بوني جاكسون ان الرغبة في البعاد, وعدم رؤية الطرف الآخر, في حالة انفصال الازواج او حدوث قطيعة بين المحبين امر طبيعي للغاية ومنطقي من الوجهة النفسية فالهروب من سبب المشكلة هو هروب نفسي من الالم التي تحدثه تلك المشكلة وهو هروب من تحمل المسئولية واحيانا يصل لدرجة الهروب من الرد على الهاتف والتحدث الى اصدقاء مشتركين, وهذه كلها حيل نفسية لتفادي الاحساس بالخطأ لكن لا يجب الاستسلام للهروب الدائم, فاذا كان من المستحب ان يمنح طرفا العلاقة نفسهما فرصة للتباعد حتى تندمل الجراح, ويستعيد كل منهما القدرة على اتخاذ القرار المناسب.. بعد فترة تفكير هادىء وعميق ثم طرح المشكلة للمناقشة بعيدا عن العصبية والحساسية الزائدة فان الهروب هنا يكون ايجابيا اما اذا تحول الى قطيعة مستمرة فانه يزيد الفجوة ويؤدي الى الاحباط والالم وفقدان الثقة بالنفس ويكثر من تواجد سحب الشك والقلق. ويرى الدكتور فهد المطوع استشاري الطب النفسي ان الحوار الصدامي الذي يحاول فيه كل طرف القاء الذنب على الآخر, واشعاره بانه المخطىء يولد مع مرور الوقت مشاعر مدمرة للعلاقة الاسرية بما ينعكس على الاولاد بالضرورة ويقول ان وجود الخلافات سواء في الرأي او في الخلفية الثقافية والاجتماعية وحدها لا يؤدي ذلك الى الاغتراب العاطفي, ولكن فقدان لغة التواصل الصحيحة والفعالة هي التي تقطع اواصر الاعتدال العاطفي بين الازاج وبين الناس بشكل عام, واريد هنا الاشارة الى حقيقة يجهلها معظم الناس وهي ان التقارب العاطفي بين المتزوجين وبين الناس بصورة عامة لا يحدث من تلقاء نفسه والزواج نفسه لا يحقق الا جزءا بسيطا من ذلك التقارب العاطفي, اما الجزء المتبقي الذي يحدث مع مرور الوقت وتتخلله حالات هبوط وارتفاع لا يحدث الا بجهد متعمد ومدروس فالاغتراب يمكن ان يحدث في اية مرحلة من مراحل الحياة الزوجية لكنه امر بسيط لو فهم كل طرف كيف يزيل تلك السحابة التي ادت الى ذلك الاغتراب.