البعض منا ليس له الاختيار في العيش فيما يراه مناسبا خاصة اولئك الذين وصل بهم العمر الى ارذله. الكثير من هؤلاء الناس هم آباء وامهات كانوا في يوم من الايام نبض عطاء, وظلا ظليلا لابناء سهروا على راحتهم وكابدوا الحياة بمرها وحلوها ابتغاء توفير افضل الحياة المعيشية, الا ان هؤلاء الابناء لم يكونوا بارين, وصار رد الجميل هو النكران ومجازاة الخير بالجفاء!! حتى تخلوا عن المسؤولية تجاه آبائهم وامهاتهم ليتركوهم تعساء بين ردهات دار المسنين او في مستشفى. (اليوم) استطاعت ان تدخل بعض هذه الاماكن لتأخذ وتستطلع آراء بعض من يعيشون بعيدا عن ابنائهم. بداية ابو محمد (عيسى) الذي تجاوز العقد السابع من عمره قد اودعه ابنه الوحيد دار المسنين قبل 4 اعوام من اجل رضا زوجته التي رفضت ان يعيش معهم بعد ان انتقلوا الى منزلهم الجديد ابو محمد يدعو على ابنه بان يجعل واحدا من ابنائه عاقا ينتقم له.. ويقول التاريخ سوف يعيد نفسه ويرى. ويقول: لقد مضى عليه في دار الرعاية بالدمام ما يقارب 4 اعوام. ابو يوسف (علي) تجاوز الثمانين وهو معاق لا يستطيع الحراك الا من خلال كرسي متحرك, تعلو وجهه ابتسامة عريضة, الا انها محيرة تجمع بين علامات الرضا والاستسلام لقضاء الله ثم اجحاف الابناء وتنكرهم له.. عندما سألناه عن وضعه وسبب مجيئه قال: انهم الشباب الذين لا يرغبون في رؤية آبائهم وتلمس حاجاتهم وقضاء ما يلزمهم في ظروف حياتهم وعجزهم.. وبعد توقف وزفرات وآهات قال: انه لم ير ابناءه منذ 5 اعوام؟ وانه لا يفضل العيش في دار المسنين ولكن ليس بيده من الامر وعقوق ابنائه شيء!! ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله ثم بكى وهو يتمتم بحسبي الله ونعم الوكيل على من كان السبب.. وانه مشتاق الى الاحساء واهلها الطيبين. مرتضى رجل عجوز تحت السبعين يقول: لي من الاولاد خمسة وثلاث بنات جميعهم تركوني وذهبوا مع اولادهم واعيش الحسرة منذ ان قدمت الى هنا اي قبل ثلاث سنوات, ويتمنى من اولاده ان يزوروه فقد اصبحت الدار بالنسبة له غربة. ابو احمد فاقد البصر ولا يسمع الا عندما تقترب منه وترفع صوتك هو ليس كبيرا له 4 بنات وولد واحد ارتضى ان يجعله يعيش بهذه الدار منذ سنتين بسبب الاوامر حيث جاءت زوجته (المدللة) كما يقول ويتمنى ان يزوره ولده الوحيد. ابن عاق اما ابو عايشة فهو ايضا تحت الخمسين من العمر وليس له الا ولد واحد ذهب ليسكن بالدمام ويعيش في دار المسنين (العجزة) ابو عايشة لا يحب ان يكنى بولده الوحيد.. لانه كما يقول: عاق ويفضل ان يطلق عليه (ابو عايشة) اسم زوجته التي توفيت قبل 3 اعوام.. يتمنى ابو عايشة من الابناء ان يصلوا ارحامهم والا يعقوا والديهم فالجميع يعيش في علم الغيب.. وهكذا الاولاد لا رحمة في قلوبهم. ماهر رشيد محمد اخصائي اجتماعي يعمل بالدار منذ 5 اعوام يقول لعدم تواصل الابناء مع الآباء النزلاء. نحاول قدر المستطاع ان ندمج النزلاء مع بعضهم البعض عن طريق برامج وجلسات شعبية وفقرات فكاهية وندوات دينية وحلقات ثقافية, فمن خلالها نحاول تخفيف حدة الشعور المتوتر الذي يعيشه هؤلاء النزلاء. الشيخ عادل آل عبدالقادر استاذ الفقه بكلية المعلمين وامام وخطيب جامع الرافعي بالمبرز يقول: ان بعض الابناء هداهم الله يجهلون حقوق الوالدين وتراهم يرخصون بهم ولا يرخصون بأولادهم وزوجاتهم وينسون ان الله سبحانه وتعالى امر في كتابه الكريم في اكثر من سورة ببرهم حيث قال: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا).. وقال كذلك (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) وعن الرسول المصطفى قال - صلى الله عليه وسلم - (الصلاة على وقتها وبر الوالدين) ثم قال: (والجهاد في سبيل الله) وهذه افضل الاعمال واحبها الى الله.. والتقرب بها واجب على المسلم.. والاسلام لم يوص الوالدين بالاولاد مثلما أوصى الاولاد بآبائهم لان ذلك امر مركز في فطرة الانسان, لذلك جعل الاسلام حق الوالدين يلي حق الله تعالى حيث قال تعالى: (فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما) حيث يشتد هذا الشعور بعد الكبر, حيث الشعور بالحاجة الى العون والرعاية, وتكون حالتهما حالة ضعف قد يزدريها الانسان ويحقر من شأنها. والاسلام يدعو الولد مهما علت مكانته, وكانت وجاهته ان يلين جانبه ويخفضه لوالديه فقد قال تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة). الكلمة الطيبة ويقول الداعية بدر سلمان العبيد: ان الوالدين في كبرهما يحتاجان الى تذليل حاجتهما والشفقة عليهما وعلى احساسهما وان يتبادل معهما بالكلمة الطيبة وحسن المعاملة.. عسى الابناء ان يردوا شيئا يسيرا مما اسداه والداهما ويكسبوا رضا الله وجنته.. فحقوق الوالدين تظل موصولة حتى بعد مماتهما فما بالك وهما احياء؟ كما ان الام لها فضل وحقوق وهي اولى من الاب وان اشتركا في العناية. قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن). اما ما يقال عن دار الرعاية للمسنين فان جريدة (اليوم) وجدت الامكانيات متيسرة والحالة النفسية لبعض المسنين جيدة وفي حالة نفسية مستقرة وتقول المصادر: ان الدار لا تستقبل الحالات المسنة الا بشروط اساسية الا ان هناك حالات استثنائية كما يتحدث المصدر ان هناك انشطة تقدمها الدار بشكل اسبوعي لتثقيف النزلاء. اما ابو عبادي (مبارك) فيقول: انه ينتظر افتتاح دار المسنين في الاحساء لينتقل الى مسقط رأسه فهو يتمنى ان يموت على أرض الأحساء.. ويقول: ما بقى في العمر اكثر مما مضى والله على المتجبرين من الابناء اما عن الدار فيقول: غصبا عن الابل تركب جاريات السفن. وضاع الزمن الجميل من ابناء نكروا الجميل