هل بالامكان ان نتحدث عن اي تجربة (نحتية) بوصفها تجربة لونية في جانب كبير منها؟ وهل بالامكان ان نتناول اي تجربة (نحتية) وفق معايير بصرية مظهرية كمدخل جوهري يكشف تفاصيل المدلول العام؟ ثم هل بالامكان في اي تجربة (نحتية) ان يستمر الانحياز للجانب اللوني بالدرجة التي يصبح معها جزءا اساسيا من مكونات التجربة نفسها؟ ربما تكون دهشة السؤال علامة اشارية - اكثر منها استفهامية - على حقيقة ان فن النحت على وجه الخصوص يختزن مدلولاته خارج حدود اللون، لان اللون قد لا يمثل فيه دورا جوهريا على المستوى الدلالي العميق فالنحت - عادة - يحقق قيمته الفنية والجمالية من خلال تضافر جملة من المكونات المدروسة، والمرتبطة بتصور مسبق للشكل العام، حتى يتجاوز النحات اخطاء (الازميل) او غيره من الادوات التقليدية او الكهربية التي تستخدم بدلا من الفرشاة لدى الرسام او المصور التشكيلي، والتي يصعب اصلاحها او التراجع فيها وبالاضافة الى ذلك التصور المسبق الذي يرسم العمل في المتخيل الذهني وينقله - ربما - الى ورقة كتسجيل للفكرة ذاتها يحقق النحت قيمته من خلال دراسة محيط الكتلة وقياس حركات الظل والنور والابعاد التي يسعى المجسم لتأكيدها وهذه كلها اساسيات تبني نفسها خارج حدود اللون - كما اشرنا - ولذلك عندما نلاحظ ان نحاتا يركز على المسألة اللونية، نركز - نحن - بدورنا على هذا الجانب بوصفه احد مظاهر الاختلاف او التميز، وقد نعتبره المدخل الاول الى فضاء التجربة في مجملها، تماما عندما حاولت استقراء الملامح الاولية لتجربة الفنانة السعودية (حلوة العطوي). ان حلوة العطوي بدخولها الى فضاء النحت على خامة الحجر، اختارت مسارا صعبا يحاول معظم النقاد التأكيد على انه مسلك ذكوري، نظرا لخشونة الحجر في مقابل نعومة الانثى وقسوة النحت في مقابل التكوين الطبيعي للمرأة، لكن هذا المسار الصعب سجل حضورها كأول فنانة سعودية تقدم تجربة نحتية على الحجر, صحيح ان هناك فنانات اخريات قدمن ويقدمن من تجارب مشابهة او مماثلة، لكن معظمهن يتعاملن مع خامات اخرى غير الحجر، من مثل الخشب وغيره من الخامات التي لا تصل الى قسوة الحجر وصعوبة العمل عليه، وعندما نستقرئ ملامح تجربة حلوة العطوي سيبرز (اللون) كعنصر جمالي مرتبط جذريا بقيمة التجربة في شكلها العام خصوصا وان اللون ليس قيمة صناعية مضافة وانما هو قيمة طبيعية من اساس الخامة فالفنانة في اطار بحثها عن الحجر كخامة، تبحث كذلك عن لونه الطبيعي بوصفه الجزء البصري الاهم في الخامة قبل تشكيلها، وبعد تشكيلها يكتسب اللون قيما اضافية تخدم الموضوع، وتتشابك معه دلاليا، حتى اذا كانت - احيانا - تضيف الى ذلك اللون بعض المحسنات بغرض ابراز طبيعته. ولعل العنصر الثاني الاكثر فعالية في نسيج تجربة حلوة العطوي، يتمثل - بشكل واضح - في المكان، بمعنى انها تحرص على تسجيل المكان الذي ينتمي اليه الحجر/ الخامة كأن تكتب - مثلا - بجانب اسم العمل ومقاساته ومواصفاته: (حجر / الرياض) او (حجر/ تبوك) او (حجر تبوك + الرياض) هي هنا تسجل المكان باسمه، وهذا يعني ان ارتباط الخامة التي تشتغل عليها بمكان ما جزء من مدلول العمل نفسه, بمعنى ان علاقة العمل بالمكان تحيل المشاهد له الى ذاكرة تاريخية والى مرجعية تستدعي من عمق الذاكرة - السياق التاريخي لهذا المكان او ذاك ليبدو العمل العصري زمنيا غير مفصول عن تاريخه بكل ما يحمل من طبيعة البيئة والناس والاحداث كل ذلك تسجله تلك الاشارة المحددة الى المكان الذي جلبت منه الحجر وقدمته - في النهاية - عملا فنيا يمكن التعامل معه بعيدا عن هذه الخاصية دون التقليل من شأنه ايضا تختزل حلوة العطوي اكثر من توجه فني في اعمالها فاعمالها ليس لها وجهة اسلوبية محددة حيث يمكن ان تقدم لنا عملا مجردا يعرض الى جانب عمل آخر شديد التعبيرية او هو خليط بين اسلوبين كالرمزية والتعبيرية او بين التصوير الحرفي لبعض الحيوانات مثلا والملمح الرمزي انها لا تركز بشكل تقليدي على وجهة الاسلوب بقدر ما تترك لعفوية الشكل تحديد النسق الاسلوبي للعمل لكن على الجانب الاخر تتجلى في اعمال حلوة العطوي دقة انثوية تكشف عن نفسها من خلال الخطوط البارزة والمجوفة, وكذلك من خلال الملمس الذي يشع بنعومة ما حتى في الاعمال ذات المظهر الخشن، وكذلك فيما يتعلق بتداخل الالوان حتى في علاقتها الثانوية مع الخلفية ومدى تأثير ذلك ايجابيا على تكوينات الظل والنور والحركة الانسيابية للتكوين وتلاشي صفات التعقيد التي قد تحد - احيانا - من درجات التعامل البصري مع العمل خصوصا عندما يكون (ثلاثي او رباعي) الابعاد. ان الفنانة تعول كثيرا على مسألة انتماء العمل لمكانه الخاص والاليف وفي الوقت الذي تقدم فيه اعمالها بتواصل مع المدارس والاساليب والمفاهيم الغربية الحديثة من حيث المعالجة يمكن التأكيد على انها شديدة الارتباط بمكانها وبيئتها وان اعمالها نتاج موضوعي يستمد ابعاده الدلالية والجمالية من مرجعية ذلك المكان وتلك البيئة. من اعمال حلوة العطوي