يطيب للعالم في هذه الايام النظر بعيون الاعجاب والتقدير لما حدث في القارة الاوروبية من متغيرات وتحولات ومستجدات متسارعة ادت جميعها الى هذا التقارب الفريد من نوعه لاسيما على المستويات الاقتصادية والسياسية، والنظر يجيء متزامنا مع حدثين هامين تشهدهما القارة في غضون هذا الاسبوع اولهما الاحتفال بالذكرى الستين لانزال الحلفاء في النورماندي مما اسدل الستار على الفصل الاخير من المسرحية النازية في اوروبا، والحدث الآخر هو انتخابات البرلمان الموحد للدول ال25 في الاتحاد الاوروبي، ونظرة فاحصة للحدثين تضع دول العالم بأسرها امام عبر وعظات لابد من استخلاصها والوقوف امامها بتأمل وامعان لاسيما ان العالم يشهد بين بعض ربوعه في الوقت الراهن مجموعة من البؤر الساخنة تمور بالغليان والانفجار، بما يدفع كل عاقل الى نتيجة حتمية لما حدث اليوم في القارة الاوروبية وهي ان انحسار موجات الفاشية والنازية عن دولها ادت الى هذا التقارب الرائع فيما بينها، وادت في الوقت نفسه الى دعم حريتها وديمقراطيتها واهدافها السياسية المعلنة، فلا يختلف اثنان ان السنوات الستين التي انصرمت منذ الانزال الشهير ادت الى تمسك الاوروبيين بمبدأ تفادي تكرار ما حدث في قارتهم من كوارث رهيبة بفعل استمرارية الازمات السياسية والحروب الطاحنة بين بلدانهم، فدفعهم ذلك الى التشبث بخيار التقارب وتغليب مصالحهم الاقتصادية والانمائية فنجحت فكرتهم الرائدة بانشاء السوق الاوروبية المشتركة ثم تطور الامر الى تكامل اتحادهم الحالي فأدى ذلك بالطبع الى تجانس وتماثل القوانين الاوروبية والوصول الى تحقيق تنمية متوازنة ومتكاملة ورفض أي شكل من اشكال الديكتاتوريات والعمل بمثابرة على ترسيخ مبادئ الحرية وحقوق الانسان، فالتجربة الاوروبية من هذا المنطلق تعد خير برهان على انتصار ارادة الشعوب على النازية والفاشية وسلطة حكم الفرد، وتؤكد ان العودة الى الديكتاتوريات القديمة اضحت مستحيلة، فالعالم مدعو اليوم بمناسبة مرور الحدثين الهائلين في القارة الاوروبية الى تجسيد روح النظام العالمي الجديد، نظام يسقط على جوانبه الظلم والاستبداد والتسلط وتشهر مشاريع الاصلاح والتقارب بين الشعوب واعلاء مبادئ الحرية والعدالة والمساواة بين البشر، وهو توجه ايده الخطاب السعودي المتوازن وحث على الاخذ به انتصارا لحقوق الانسان واشاعة لعوامل الاستقرار والامن بين كافة المجتمعات البشرية دون استثناء، وهو ما نادت به الشريعة الاسلامية السمحة وفقا لنصوص تعاليمها ومبادئها الخالدة.